للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي) حُرْمَةِ (التَّعَرُّضِ) لِصَيْدِهِمَا وَنَابِتِهِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ خَبَرَ «إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَإِنِّي حَرَّمْت الْمَدِينَةَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا لَا يُقْطَعُ شَجَرُهَا» زَادَ مُسْلِمٌ «وَلَا يُصَادُ صَيْدُهَا» وَفِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا» ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ خَبَرَ «أَلَّا أَنَّ صَيْدَ وَجٍّ وَعِضَاهَهُ حَرَامٌ مُحَرَّمٌ» وَاللَّابَتَانِ الْحَرَّتَانِ تَثْنِيَةُ لَابَةٍ وَهِيَ أَرْضٌ ذَاتُ حِجَارَةٍ سُودٍ وَهُمَا شَرْقِيُّ الْمَدِينَةِ وَغَرْبِيُّهَا فَحَرَّمَهَا مَا بَيْنَهُمَا عَرْضًا وَمَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا عَيْرٍ وَثَوْرٍ طُولًا (فَقَطْ) أَيْ: دُونَ ضَمَانِهِمَا؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُمَا لَيْسَ مَحَلًّا لِلنُّسُكِ وَتَعْبِيرِي بِمَا ذُكِرَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ وَصَيْدُ الْمَدِينَةِ حَرَامٌ وَلَا يُضْمَنُ.

(وَفِي) جَزَاءِ صَيْدٍ (مِثْلِيٍّ ذَبَحَ مِثْلَهُ وَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ) أَيْ الشَّامِلِينَ لِفُقَرَائِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَشْمَلُ الْآخَرَ عِنْدَ الِانْفِرَادِ وَذَلِكَ بِأَنْ يُفَرِّقَ لَحْمَهُ وَمَا يَتْبَعُهُ عَلَيْهِمْ، أَوْ يُمَلِّكَهُمْ جُمْلَتَهُ مَذْبُوحًا (أَوْ إعْطَاؤُهُمْ بِقِيمَتِهِ) أَيْ: بِقَدْرِ قِيمَةِ مِثْلِهِ (طَعَامًا يُجْزِئُ) فِي الْفِطْرَةِ وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ يُقَوِّمُ الْمِثْلَ دَرَاهِمَ وَيَشْتَرِي بِهِ طَعَامًا لَهُمْ (أَوْ صَوْمٌ) حَيْثُ كَانَ (لِكُلِّ مُدٍّ يَوْمًا) قَالَ تَعَالَى {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: ٩٥]

وَلَمْ يَعْتَبِرُوا فِي الصَّوْمِ كَوْنَهُ فِي الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ لَا غَرَضَ لِلْمَسَاكِينِ فِيهِ لَكِنَّهُ فِي الْحَرَمِ أَوْلَى لِشَرَفِهِ.

(وَ) فِي جَزَاءِ صَيْدٍ (غَيْرِ مِثْلِيٍّ)

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْبِشْبِيشِيُّ. (قَوْلُهُ: فِي حُرْمَةِ التَّعَرُّضِ لِصَيْدِهِمَا) وَلَوْ ذَبَحَهُ الْحَلَالُ لَا يَصِيرُ مَيْتَةً وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ أَنَّهُ مَيْتَةٌ ح ل وَمِثْلُهُ ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ: إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ) أَيْ: أَظْهَرَ تَحْرِيمَهَا؛ لِأَنَّهُ قَدِيمٌ ق ل. (قَوْلُهُ: وَإِنِّي حَرَّمْت الْمَدِينَةَ) أَيْ: ابْتَدَأْت تَحْرِيمَهَا فَهُوَ حَادِثٌ ق ل وَشَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ: مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا) بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّ مَا بَيْنَ اللَّابَتَيْنِ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْمَدِينَةِ. (قَوْلُهُ: وَفِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد) ذَكَرَهُ بَعْدَ الْأَوَّلِ لِشُمُولِهِ الْحَشِيشَ وَتَنْفِيرَ الصَّيْدِ دُونَ اصْطِيَادِهِ ع ش. (قَوْلُهُ: وَعِضَاهَهُ) أَيْ شَجَرُهُ وَهُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا كَمَا فِي ع ش.

(قَوْلُهُ: عَيْرٍ وَثَوْرِ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ ذِكْرَ ثَوْرٍ هُنَا وَهُوَ بِمَكَّةَ مِنْ غَلَطِ الرُّوَاةِ وَأَنَّ الرِّوَايَةَ الصَّحِيحَةَ أُحُدٌ وَدُفِعَ بِأَنَّ وَرَاءَهُ جَبَلًا صَغِيرًا يُقَالُ لَهُ ثَوْرٌ وَهُوَ غَيْرُ ثَوْرٍ الَّذِي بِمَكَّةَ ز ي

(قَوْلُهُ: وَفِي جَزَاءِ صَيْدٍ) شَرَعَ فِي بَيَانِ أَنْوَاعِ الدِّمَاءِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ؛ لِأَنَّ الدَّمَ إمَّا مُخَيَّرٌ أَوْ مُرَتَّبٌ وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا مُعَدَّلٌ، أَوْ مُقَدَّرٌ وَبَدَأَ بِالْمُخَيَّرِ الْمُعَدَّلِ فَقَالَ: وَفِي جَزَاءِ إلَخْ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَمَرَ فِيهِ بِالتَّقْوِيمِ وَالْعُدُولِ إلَى الْإِطْعَامِ ز ي وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَفِي مِثْلِيٍّ إلَخْ إلَى الْقِسْمِ الثَّالِثِ فِي نَظْمِ ابْنِ الْمُقْرِي وَذَكَرَ مِنْهُ نَوْعًا وَبَقِيَ نَوْعٌ وَهُوَ الْوَاجِبُ فِي قَطْعِ النَّابِتِ وَذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِيمَا سَبَقَ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ إنْ شَاءَ ذَبَحَ، وَقَدْ جَمَعَهَا ابْنُ الْمُقْرِي بِقَوْلِهِ:

وَالثَّالِثُ التَّخْيِيرُ وَالتَّعْدِيلُ فِي ... صَيْدٍ وَأَشْجَارٍ بِلَا تَكَلُّفِ

إنْ شِئْت فَاذْبَحْ أَوْ فَعَدِّلْ مِثْلَ مَا ... عَدَّلْت فِي قِيمَةِ مَا تَقَدَّمَا

اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ) وَيَكْفِي مِنْهُمْ ثَلَاثَةٌ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ يُفَرِّقَ لَحْمَهُ) فَلَوْ تَأَخَّرَ الصَّرْفُ حَتَّى صَارَ قَدِيدًا هَلْ يُجْزِئُ؟ مَحَلُّ نَظَرٍ اهـ شِهَابٌ عَمِيرَةُ (قَوْلُهُ: وَمَا يَتْبَعُهُ) كَالْجِلْدِ وَالْكَرِشِ وَالشَّعْرِ وَلَا يَجُوزُ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهُ م ر وَلَوْ تَلِفَ قَبْلَ صَرْفِهِ بِنَحْوِ غَصْبٍ، أَوْ سَرِقَةٍ وَلَوْ مِنْ فُقَرَاءِ الْحَرَمِ لَمْ يَجْزِهِ لَكِنْ لَهُ شِرَاءُ لَحْمِهِ بَدَلَهُ وَيُفَرِّقُهُ كَمَا قَالَهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَمَحَلُّ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ فِيمَا إذَا أَخَذَهُ فُقَرَاءُ الْحَرَمِ إذَا كَانَ قَبْلَ النِّيَّةِ وَإِلَّا أَجْزَأَ

(قَوْلُهُ: أَوْ يُمَلِّكُهُمْ جُمْلَتَهُ مَذْبُوحًا) وَلَوْ قَبْلَ سَلْخِهِ مُتَسَاوِيًا، أَوْ مُتَفَاوِتًا حَجّ فَيُفِيدُ جَوَازَ تَمْلِيكِهِمْ جُمْلَتَهُ مُتَفَاوِتًا سم عَلَى حَجّ كَأَنْ يَقُولَ لِثَلَاثَةٍ مَلَّكْتُكُمْ هَذِهِ الشَّاةَ عَلَى أَنَّ لِوَاحِدٍ مِنْكُمْ نِصْفَهَا وَآخَرَ ثُلُثَهَا وَآخَرَ سُدُسَهَا. (قَوْلُهُ: أَوْ إعْطَاؤُهُمْ بِقِيمَتِهِ طَعَامًا) وَحَيْثُ وَجَبَ صَرْفُ الطَّعَامِ إلَيْهِ فِي غَيْرِ دَمِ التَّخْيِيرِ وَالتَّقْدِيرُ لَا يَتَعَيَّنُ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْهُمْ مُدٌّ بَلْ يَجُوزُ دُونَهُ، وَفَوْقَهُ. اهـ. حَجّ قَالَ الرَّشِيدِيُّ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ دَمَ التَّعْدِيلِ يَجُوزُ النَّقْصُ فِيهِ عَنْ الْمُدِّ وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مُرَتَّبًا أَمْ مُخَيَّرًا وَأَنَّ دَمَ التَّقْدِيرِ إنْ كَانَ مُخَيَّرًا فَالزِّيَادَةُ عَلَى الْمُدِّ ثَابِتَةٌ بِالنَّصِّ؛ لِأَنَّهُ يُعْطِي لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ وَإِنْ كَانَ مُرَتَّبًا فَلَا إطْعَامَ فِيهِ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ. (قَوْلُهُ: بِقِيمَتِهِ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْمِثْلِ الَّذِي يُذْبَحُ وَالْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ كَمَا قَدَّرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ أَيْ: بِقَدْرِ قِيمَةِ مِثْلِهِ فَقَوْلُهُ: مِثْلِهِ تَفْسِيرٌ لِلضَّمِيرِ. (قَوْلُهُ: قِيمَةِ مِثْلِهِ) أَيْ: لَا الصَّيْدِ خِلَافًا لِمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيُعْتَبَرُ فِي التَّقْوِيمِ عَدْلَانِ عَارِفَانِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَاتَلَهُ بِحَيْثُ لَمْ يَفْسُقْ نَظِيرُ مَا مَرَّ حَجّ أَيْ: بِأَنْ قَتَلَهُ غَيْرَ عَامِدٍ فَإِنْ قَتَلَهُ عَمْدًا فَسَقَ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ كَبِيرَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَصَرَّحَ بِهِ م ر أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ يُقَوِّمُ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَيَشْتَرِي لَيْسَ بِقَيْدٍ؛ إذْ مِثْلُهُ أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ عِنْدَهُ وَكَذَا قَوْلُهُ: يُقَوِّمُ الْمِثْلَ دَرَاهِمَ لَيْسَ قَيْدًا؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى النَّقْدِ الْغَالِبِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.

(قَوْلُهُ: يُقَوِّمُ إلَخْ) هَذَانِ الْفِعْلَانِ فِي عِبَارَةِ الْأَصْلِ مَنْصُوبَانِ وَنِصْفُهَا: وَبَيْنَ أَيْ: وَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُقَوِّمَ الْمِثْلَ دَرَاهِمَ وَيَشْتَرِيَ إلَخْ. (قَوْلُهُ: دَرَاهِمَ) نُصِبَ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ شُذُوذًا حَجّ. (قَوْلُهُ: طَعَامًا لَهُمْ) أَيْ: لِأَجْلِهِمْ ابْنُ حَجَرٍ. (قَوْلُهُ: هَدْيًا) حَالٌ مِنْ جَزَاءُ فِي قَوْلِهِ فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ أَيْ حَالَ كَوْنِ الْجَزَاءِ هَدْيًا وَالْمُرَادُ بِالْكَعْبَةِ جَمِيعُ الْحَرَمِ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ وَمَعْنَى بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَيْ: يَبْلُغُ بِهِ إلَى الْحَرَمِ وَيَذْبَحُ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>