وَتَقُولُ الْأَعْرَابُ هِيَ الْعِشَاءُ» ، وَعَنْ الثَّانِي فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ «لَا تَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ أَلَا إنَّهَا الْعِشَاءُ وَهُمْ يَعْتِمُونَ بِالْإِبِلِ» بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّهِ، وَفِي رِوَايَةٍ «بِحِلَابِ الْإِبِلِ» قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يُسَمُّونَهَا الْعَتَمَةَ لِكَوْنِهِمْ يَعْتِمُونَ بِحِلَابِ الْإِبِلِ أَيْ: يُؤَخِّرُونَهُ إلَى شِدَّةِ الظَّلَامِ. فَالْعَتَمَةُ شِدَّةُ الظُّلْمَةِ وَمَا ذَكَرَ مِنْ الْكَرَاهَةِ فِي الثَّانِي هُوَ مَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي كُتُبِهِ لَكِنَّهُ خَالَفَ فِي الْمَجْمُوعِ فَقَالَ: نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تُسَمَّى الْعِشَاءُ عَتَمَةً، وَذَهَبَ إلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَقَالَتْ طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ: يُكْرَهُ
(وَ) كُرِهَ (نَوْمٌ قَبْلَهَا) أَيْ: الْعِشَاءِ (وَحَدِيثٌ بَعْدَهَا) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَكْرَهُهُمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِأَنَّهُ بِالْأَوَّلِ يُؤَخِّرُ الْعِشَاءَ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا وَبِالثَّانِي يَتَأَخَّرُ نَوْمُهُ فَيُخَافُ فَوْتُ صَلَاةِ اللَّيْلِ إنْ كَانَ لَهُ صَلَاةُ لَيْلٍ أَوْ فَوْتُ الصُّبْحِ عَنْ وَقْتِهَا أَوْ عَنْ أَوَّلِهِ، وَالْمُرَادُ الْحَدِيثُ الْمُبَاحُ فِي غَيْرِ هَذَا الْوَقْتِ. أَمَّا الْمَكْرُوهُ ثَمَّ فَهُوَ هُنَا أَشَدُّ كَرَاهَةً.
(إلَّا فِي خَيْرٍ) كَقِرَاءَةِ قُرْآنٍ وَحَدِيثٍ وَمُذَاكَرَةِ عِلْمٍ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْأَعْرَابَ فِي تَسْمِيَتِهِمْ الْمَغْرِبَ عِشَاءً لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا مَغْرِبًا، وَتَسْمِيَةُ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ تَسْمِيَتِهِمْ، وَالسِّرُّ فِي النَّهْيِ خَوْفُ الِاشْتِبَاهِ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ شَرْحُ الْبُخَارِيِّ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ. (قَوْلُهُ وَتَقُولُ الْأَعْرَابُ) فِيهِ إظْهَارٌ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ الْفِعْلَ مُسْنَدٌ لِضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ. (قَوْلُهُ الْمَغْرِبُ) بِتَثْلِيثِ الْبَاءِ كَمَا ضَبَطَهُ بِالْقَلَمِ شَوْبَرِيٌّ: فَالْجَرُّ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ، وَالرَّفْعُ عَلَى كَوْنِهِ خَبَرَ الْمَحْذُوفِ، وَالنَّصْبُ عَلَى كَوْنِهِ مَفْعُولًا لِمَحْذُوفٍ. (قَوْلُهُ وَضَمُّهُ) أَيْ مَعَ كَسْرِ التَّاءِ فِيهِمَا ع ش. (قَوْلُهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تُسَمَّى إلَخْ) فَتَكُونُ التَّسْمِيَةُ بِذَلِكَ خِلَافَ الْأُولَى، وَالْمُعْتَمَدُ الْكَرَاهَةُ شَرْحُ م ر
. (قَوْلُهُ وَكُرِهَ نَوْمٌ) أَيْ إذَا ظَنَّ تَيَقُّظَهُ فِي الْوَقْتِ وَإِلَّا حَرُمَ وَلَوْ غَلَبَ عَلَيْهِ النَّوْمُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَعَزْمِهِ عَلَى الْفِعْلِ وَأَزَالَ تَمْيِيزَهُ فَلَا حُرْمَةَ فِيهِ مُطْلَقًا وَلَا كَرَاهَةَ شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ قَبْلَهَا) أَيْ وَبَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا أَيْ الْحَقِيقِيِّ م ر، وَلَا يَحْرُمُ النَّوْمُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَإِنْ عَلِمَ عَدَمَ اسْتِيقَاظِهِ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَاطَبْ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا ع ش عَلَى م ر، وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ وَكَرَاهَةُ النَّوْمِ قَبْلَ الصَّلَاةِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا تَجْرِي فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ وَإِنَّمَا خَصَّ الْكَرَاهَةَ بِالْعِشَاءِ لِأَنَّهَا مَحَلُّ النَّوْمِ غَالِبًا كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَقَوْلُهُ وَلَا يَحْرُمُ النَّوْمُ قَبْلَ الْوَقْتِ أَيْ وَإِنْ قَصَدَ عَدَمَ فِعْلِهَا فِي وَقْتِهَا كَمَا إذَا نَامَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ قَاصِدًا تَرْكَهَا فَلَا يَحْرُمُ وَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ السَّعْيِ عَلَى بَعِيدِ الدَّارِ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ بَعِيدُ الدَّارِ لَا يُمْكِنُهُ الذَّهَابُ إلَى الْجُمُعَةِ إلَّا بِالسَّعْيِ قَبْلَهَا نَزَّلَ مَا يُمْكِنُ فِيهِ السَّعْيُ مَنْزِلَةَ وَقْتِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْتَبِرْ لَأَدَّى إلَى عَدَمِ طَلَبِهَا مِنْهُ، وَالنَّوْمُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُسْتَلْزِمًا لِتَفْوِيتِ الْجُمُعَةِ اُعْتُبِرَ لِحُرْمَتِهِ خِطَابُهُ بِالْجُمُعَةِ وَهُوَ لَا يُخَاطَبُ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ، لَكِنْ فِي سم عَلَى حَجّ أَنَّ حُرْمَةَ النَّوْمِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ هِيَ قِيَاسُ وُجُوبِ السَّعْيِ عَلَى بَعِيدِ الدَّارِ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَعِيدَ الدَّارِ وَجَبَ عَلَيْهِ السَّعْيُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَحَرُمَ النَّوْمُ الْمُفَوِّتُ لِذَلِكَ السَّعْيِ الْوَاجِبِ ع ش عَلَى م ر، وَعِبَارَةُ شَوْبَرِيٍّ وَنَوْمٌ قَبْلَهَا وَلَوْ وَقْتَ الْمَغْرِبِ لِمَنْ يَجْمَعُ حَجّ، وَاعْتَمَدَ م ر خِلَافَهُ قَالَ الشَّيْخُ وَقَدْ يُقَالُ النَّوْمُ الْمَحْذُورُ هُنَا إذَا وَقَعَ قَبْلَ فِعْلِهَا وَأَوْجَبَ تَأْخِيرَهَا إلَى وَقْتِهَا، فَلَمْ يَقَعْ إلَّا قَبْلَ وَقْتِهَا لَا فِيهِ قَبْلَ فِعْلِهَا، وَقَدْ يُصَوَّرُ بِالنَّوْمِ قَبْلَ فِعْلِ الْمَغْرِبِ مِمَّنْ قَصَدَ الْجَمْعَ وَإِنْ كَانَتْ الْكَرَاهَةُ مِنْ جِهَةِ الْمَغْرِبِ أَيْضًا، وَيُمْكِنُ أَيْضًا أَنْ يُصَوَّرَ بِنَوْمٍ خَفِيفٍ لَا يَمْنَعُ الْجَمْعَ فَإِذَا أَرَادَ الْجَمْعَ كُرِهَ أَنْ يَنَامَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ قَبْلَ فِعْلِ الْعِشَاءِ، وَإِنْ اتَّفَقَ زَوَالُ النَّوْمِ قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ فَلْيُتَأَمَّلْ ابْنُ شَوْبَرِيٍّ.
(قَوْلُهُ وَحَدِيثٌ بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ فِعْلِهَا ع ش مَا لَمْ تَكُنْ مَجْمُوعَةً جَمْعَ تَقْدِيمٍ فَلَا يُكْرَهُ الْحَدِيثُ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا وَمُضِيِّ وَقْتِ الْفَرَاغِ مِنْهَا غَالِبًا شَوْبَرِيٌّ، وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَدَمَ كَرَاهَةِ الْحَدِيثِ قَبْلَهَا، لَكِنَّ قَضِيَّةَ التَّعْلِيلِ عَدَمُ الْفَرْقِ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ إبَاحَةَ الْكَلَامِ قِيلَ تَنْتَهِي بِالْأَمْرِ بِإِيقَاعِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِ الِاخْتِيَارِ. وَأَمَّا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَلَا ضَابِطَ لَهُ فَخَوْفُ الْفَوَاتِ فِيهِ أَكْثَرُ شَرْحُ م ر، وَفَارَقَ الْكَرَاهَةَ فِيمَا إذَا جَمَعَ الْعَصْرَ مَعَ الظُّهْرِ تَقْدِيمًا حَيْثُ كُرِهَتْ الصَّلَاةُ بَعْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ الْعَصْرِ بِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ كُرِهَ الْحَدِيثُ بَعْدَهَا مَفْقُودٌ وَكَرَاهَةُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ مَنُوطَةٌ بِفِعْلِهَا وَقَدْ وُجِدَ. اهـ. سم، وَمَا ذُكِرَ مِنْ كَرَاهَةِ النَّوْمِ وَالْحَدِيثِ يَجْرِي فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَإِنَّمَا خُصَّتْ الْعِشَاءُ بِذِكْرِهِمَا لِأَنَّهَا مَحَلُّ النَّوْمِ أَصَالَةً، وَإِنَّمَا لَمْ يُكْرَهْ الْحَدِيثُ قَبْلَ الْفِعْلِ لِأَنَّ الْوَقْتَ بَاعِثٌ عَلَى تَرْكِهِ بِطَلَبِ الْفِعْلِ فِيهِ كَمَا فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَأَلْحَقَ بِالْحَدِيثِ الْخِيَاطَةَ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ شَوْبَرِيٌّ وَلَعَلَّهُ لِغَيْرِ نَحْوِ سَاتِرِ الْعَوْرَةِ. وَمِثْلُ الْخِيَاطَةِ الْكِتَابَةُ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَكُونَ لِلْقُرْآنِ أَوْ الْعِلْمِ الْمُنْتَفَعِ بِهِ ح ل. (قَوْلُهُ أَمَّا الْمَكْرُوهُ ثَمَّ إلَخْ) كَالْمُتَكَلِّمِ بِمَا لَا يَعْنِيهِ ع ش
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute