مَرَّتَيْنِ فَصَلَّى بِي الظُّهْرَ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ وَكَانَ الْفَيْءُ قَدْرَ الشِّرَاكِ وَالْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ أَيْ: الشَّيْءِ مِثْلَهُ وَالْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ أَيْ: دَخَلَ وَقْتُ إفْطَارِهِ وَالْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ وَالْفَجْرَ حِينَ حُرِّمَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ صَلَّى بِي الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ وَالْعَصْرَ حِين كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَيْهِ وَالْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ وَالْعِشَاءَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَالْفَجْرَ فَأَسْفَرَ، وَقَالَ: هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِك، وَالْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ.
وَقَوْلُهُ «صَلَّى بِي الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ» أَيْ: فَرَغَ مِنْهَا حِينَئِذٍ كَمَا شَرَعَ فِي الْعَصْرِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَئِذٍ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَافِيًا اشْتِرَاكَهُمَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا جَاءَهُ جِبْرِيلُ لِيُعَلِّمَهُ الْكَيْفِيَّةَ نَادَى أَصْحَابَهُ فَاجْتَمَعَتْ فَقَالَ: إنَّ جِبْرِيلَ أَتَى إلَيْكُمْ لِيُعَلِّمَكُمْ الصَّلَاةَ فَأَحْرَمَ وَأَحْرَمَ النَّبِيُّ خَلْفَهُ وَأَحْرَمَتْ الصَّحَابَةُ كَذَلِكَ مُقْتَدِينَ بِجِبْرِيلَ لَكِنَّهُمْ لَا يَرَوْنَهُ فَصَارُوا يُتَابِعُونَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَالرَّابِطَةِ» سم.
(قَوْلُهُ مَرَّتَيْنِ) الْمَرَّةُ كِنَايَةٌ عَنْ فِعْلِ خَمْسِ صَلَوَاتٍ مِنْ الظُّهْرِ إلَى الصُّبْحِ وَإِلَّا فَهُوَ صَلَّى بِهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ. (قَوْلُهُ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ) أَيْ عَقِبَ زَوَالِهَا. (قَوْلُهُ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ إلَخْ) أَيْ عَقِبَ ذَلِكَ. وَالْمُرَادُ غَيْرُ ظِلِّ الِاسْتِوَاءِ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ أَيْ دَخَلَ وَقْتُ إفْطَارِهِ) وَكَانَ هَذَا الْوَقْتُ مَعْلُومًا لَهُمْ، فَلَا يَرِدُ أَنَّ فَرْضَ رَمَضَانَ كَانَ بَعْدَ فَرْضِ الصَّلَاةِ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ حِينَ حَرُمَ الطَّعَامُ) هَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ صَوْمٌ وَاجِبٌ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَنْدُوبِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ حِينَ امْتَنَعَ عَلَى مَنْ يُرِيدُ الصَّوْمَ وَلَوْ نَفْلًا بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ وَالْفَجْرُ) أَيْ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي ح ل. (قَوْلُهُ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ إلَخْ) وَفِيهِ أَنَّ أَوَّلَ الْيَوْمِ التَّالِي لِلْيَوْمِ الْأَوَّلِ هُوَ الصُّبْحُ، وَعَلَيْهِ فَكَانَ يَقُولُ: فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ صَلَّى بِي الصُّبْحَ إلَى آخِرِ الْعِشَاءِ ثُمَّ يَقُولُ: فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ أَيْ بَعْدَ الْيَوْمِ الثَّانِي صَلَّى بِي الصُّبْحَ لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ. قُلْت: يَجُوزُ أَنَّهُ جَعَلَ الْيَوْمَ مُلَفَّقًا مِنْ الْيَوْمَيْنِ فَيَكُونُ الصُّبْحُ الْأَوَّلُ مِنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ مُكَمِّلٌ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالصُّبْحُ الثَّانِي مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي ع ش. وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالْغَدِ الْمَرَّةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي هِيَ فِعْلُ الْخَمْسِ ثَانِيًا وَأَوَّلُهَا الظُّهْرُ؛ فَلِذَا قَالَ: صَلَّى بِي الظُّهْرَ وَلَمْ يَقُلْ الصُّبْحَ. مَعَ أَنَّهُ أَوَّلَ الْغَدِ شَيْخُنَا. وَقَالَ الشَّوْبَرِيُّ لَمَّا كَانَ الصُّبْحُ مُكَمِّلًا لِلْخَمْسِ كَانَ كَأَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ الْأَوَّلِ، أَوْ يُقَالُ إنَّ أَوَّلَ النَّهَارِ طُلُوعُ الشَّمْسِ، وَأَمَّا الصُّبْحُ فَهُوَ لَيْلِيٌّ حُكْمًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجْهَرُ فِيهِ. (قَوْلُهُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ مُؤَخَّرَةٌ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ إلَى بِمَعْنَى عِنْدَ وَلَا حَذْفَ تَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ وَالْفَجْرَ فَأَسْفَرَ) وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَقَوْلُهُ فَأَسْفَرَ يُحْتَمَلَ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ فَدَخَلَ عَقِبَ فَرَاغِهِ مِنْهَا فِي الْأَسْفَارِ، وَإِلَّا فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَوْقَعَهَا فِيهِ وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا تُؤَخَّرَ إلَى الْإِسْفَارِ أَيْ الْإِضَاءَةُ كَمَا يَأْتِي غَزِّيٌّ، وَكَتَبَ أَيْضًا: قَوْلُهُ فَأَسْفَرَ قَالَ فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ: قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ يَعْنِي الْعِرَاقِيَّ الظَّاهِرُ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى جِبْرِيلَ وَمَعْنَى أَسْفَرَ دَخَلَ فِي السَّفَرِ بِفَتْحِ السِّينِ وَالْفَاءِ وَهُوَ بَيَاضُ النَّهَارِ، وَيُحْتَمَلُ عَوْدُهُ عَلَى الصُّبْحِ أَيْ فَأَسْفَرَ الصُّبْحُ فِي وَقْتِ صَلَاتِهِ. وَيُوَافِقُهُ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ «ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ أَسْفَرَتْ الْأَرْضُ» شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ هَذَا وَقْتٌ) أَيْ هَذِهِ أَوْقَاتُ الْأَنْبِيَاءِ فَهُوَ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ. قَالَ السُّيُوطِيّ: صَحَّتْ الْأَحَادِيثُ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الْعِشَاءَ أُمَّةٌ قَبْلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ. فَيُمْكِنُ حَمْلُ قَوْلِهِ وَقْتَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ، أَوْ يَبْقَى عَلَى ظَاهِرِهِ وَيَكُونُ يُونُسُ صَلَّاهَا دُونَ أُمَّتِهِ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ الْأَنْبِيَاءُ) أَيْ مَجْمُوعُهُمْ.
(قَوْلُهُ وَالْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ) مُقْتَضَاهُ أَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ يَخْرُجُ بِمَصِيرِ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَيْهِ وَأَنَّ وَقْتَ الْعِشَاءِ يَخْرُجُ بِثُلُثِ اللَّيْلِ وَالْفَجْرِ بِالْإِسْفَارِ، وَبِذَلِكَ قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ: وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ ح ل. وَالْمُرَادُ فِي غَيْرِ الْمَغْرِبِ لِأَنَّ وَقْتَهَا لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِمَا، وَهَذَا وَجْهُ تَمَسُّكِ الْقَائِلِ بِأَنَّ وَقْتَهَا وَاحِدٌ، فَإِنْ قُلْت هَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَقْتَ الَّذِي صَلَّى فِيهِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَفِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ لَيْسَا مِنْهُ مَعَ أَنَّهُمَا مِنْهُ وَآخِرُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلظُّهْرِ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ هُنَاكَ شَيْئًا مُقَدَّرًا وَالتَّقْدِيرُ وَالْوَقْتُ مَا بَيْنَ مُلَاصِقِ أَوَّلِ أَوَّلِهِمَا مِنْ قَبْلُ وَمَا بَيْنَ مُلَاصِقِ آخِرِ آخِرِهِمَا مِنْ بَعْدُ فَدَخَلَ الْوَقْتَانِ. وَأُجِيبُ أَيْضًا بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ هَذَانِ الْوَقْتَانِ وَمَا بَيْنَهُمَا ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَشَيْخِنَا. (قَوْلُهُ أَيْ فَرَغَ مِنْهَا حِينَئِذٍ) هَلْ يَصِحُّ إبْقَاؤُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ؟ فَإِنَّهُ بَعْدَ مَصِيرِ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ يَبْقَى مِنْ الْوَقْتِ مِقْدَارُ ظِلِّ الِاسْتِوَاءِ. اهـ. حَجّ. أَقُولُ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَلَّى الْعَصْرَ فِي الْيَوْمِ قَبْلَهُ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ فَلَا يَخْلُصُ مِنْ الِاشْتِرَاكِ فَلْيُتَأَمَّلْ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ نَافِيًا إلَخْ) خِلَافًا لِمَا فِي تَسْوِيَتِهِ بَيْنَ الظُّهْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute