وكذا التنبيهُ إلى أن بعض المسائل الفقهية تبدو في أول نظرة اليها مسائل واضحة المعالم، فيقع التسرع في الاجابة عها او الحكم بما ظهر فها، كما يؤدي إلى حصول الغلط، والوقوع في الحطأ والزلل، مع أنها عند التامُّل. والتفكر ملِيًّا تبدو على خلاف ذلك، ويهتدي الفقيه المفتي، والقاضي الحاكم، إلى الصواب فيها، وفقا لنصوص الشريعة، واستنباط الأحكام منها. ومن المسلَّم به أن العلوم كثيرة، والمعارف متنوعة، وفها الأهم والمهم، والأهمُّ بالنسبة للمسلم ما يتعلق بالضروري من علوم الدين في مجال العقيدة والعبادة، والاخلاق والمعاملة، ثم التوسع والتعمق فيها بالنسبة للخاصة، من العلماء وأهل الافتاء والقضاء، وتبقى العلوم الأخرى مطلوبة التعلم على سبيل فرض الكفاية بالنسبة لبعض ابناءِ الأمة ليضطلِعُوا في دراستهم لها، ومعرفتهم لتلك العلوم بشؤون الحياة وتصريفها فيما يعود بالنفع على الناس، ويصلح أحوالهم دينا ودنيا، وينهض بوطنهم المسلم، وأمتهم الاسلامية جمعاء، ويحقق لها التقدم والازهار في كل مجال. وقد لخص بعضهم الاشارة إلى بعض العلوم الاسلامية وأفضليتها وتقديمها على غيرها فقال: وقدّم الأهَمّ إن العلمَ جمٌّ ... والعُمْرُ طيفٌ زارَ أو ضيفٌ ألمٌ فهمُّه عقائدٌ ثم فروعٌ ... تَصَوُّفٌ وآلةٌ بها الشروع كلمة هَمُّهُ في صدر البيت الثاني اسمُ تفضيل، حُذفت همزته لضرورة النظم والوزْن، فأصله أهمُّه، كما يقال - سماعاً مُطرداً: خيرٌ وشرٌّ، بدلَ أخْيَرُ وأشَرُّ، كما قال الناظم لذلك: "وغالباً أغناهم خيْرٌ وشرٌ ... عن قوله أخْيَرُ منه وأشَرُّ فالعلوم الاسلامية والانسانية غزيرة وفيرة، والعمر مهما طال بالانسان وامتد به، فهو بمنزل طيفِ الخيال فيٍ حُلُمِ يَراه الانسان، فلا يلبث أن يختفي عند الاستيقاظ من المنام، وبمنزلة ضيفٍ زار أحدا من الاهل والاخوان، لابد أن يؤول أمْرُه إلى السفر - والارتحال، فالحياة يجب اغتنامها فيما هو أهمّ وأفيَدُ وفيما هُوَ منْ صالح الأقوال والاعمال، كما جاء في الحديث: إغنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قَبْلَ فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل مماتك، وذلك فيما يرضي الله ورسوله، وويعود بالخير والنفع على البلاد والعباد. (٢٨٢) قال القرافي مُبَيِّناً وجه ذلك: "فإن القدرة مؤثرة في تحصيل وجود الممكنات، والعلم والكَلام تابعان ليسا بمؤثرين، وكذلك السمع والبصر من قبل العلم، ومالَهُ التأثير أفضل مما لا تأثر له، وليس من صفات الله السبعة ما هو مؤثر إلا القدرة والإرادة فقط. =