٢) ثم قال القرافي: ومن مسائل المساحة الغريبة المتعلقة بالفقه رجل استاجر رجلا يحفر له بئرا، عشرةً في عشرة طولا وعرْضا وعُمقا، جميعُ ذلك عشرة من كل وجه، فحفر له بئراً: خمسة في خمسة، فاخْتُلِفَ فيما يستحقه من الأجْرَة، فقال ضعاف الفقهاء: يستحِقُّ النِصفَ، لأنه عمل النصف، وقال المحققون: يستحق الثُّمُنَ، لأنه عَمل الثمُنَ. وبيانه أنه استاجره على عشرة في عشرة، وذلك ألفُ ذراع، بسبب أن الذراع الأول من العشرة لو عُمل وبُسط على الارض ومُسِحَ كان حصيرا، طوُله عشرة وعَرْضُهُ عشرة، ومساحته عشرة في عشرة بمائة، فالذراع الأول تُحَصلُ مساحته مائة، وهي عشرة أذرع في عشرة، ومائة في عشرة بألف، وعمل خمسة في خمسة، فالذراع الاول لو بسط على الارض ترابا على وجهه لكان خمسة في خمسة، وخمسةً في خمسة بخمسة وعشرين. فالذِراع مساحته خمسة وعشرون، وهي خمسة أذرع، وخمسة وعشرون في خمسة، بمائة وخمسة وعشرين، ٥ × ١٢٥, ونسبة مائة وخمس وعشرين إلى الألفِ نسبة الثُّمُن، فيستحق الثمُنَ من الأجرة، لأنه قد عمِل ثمن ما استؤجر عليه. وهذه الدقائق من المسائل إنما تحصُل من الهندسة، فإن علِم الهندسة شمِل الحساب والمساحة وغيرها. وهذه المسائل، وإن كانت كثيرةٌ، غير أنما بالنسبة إلى مسائل الفقه قليلة، فثمرة الفقه أعظم من ثمرة الهندسة، فيكون أعظم منها. وثانيها: علم النحو والمنطق، كلاما له ثمرة جليلة، غير أن ثمرة النحو أعظم، بسبب أنه يستعان به على فَهْم كتاب الله تعالى وسنة رسول - صلى الله عليه وسلم - وكلام العرب في نطق اللسان وكتابة اليد، فإن اللحن يقع في الكتابة، وفي اللفظ، ويستعان به في الفقه وأصول الفقه، وفي غير ذلك مما عُلِمَ في مواضعه. وأما المنطق إنما يُحتاج إليه في ضبط المعاني المتعلقة بالبراهين والحدود خاصة، وقد كفي فيها الطبعُ السليم والعقل المستقيم، ولا يهدى العقل بمجرده لتقويم اللسان وسلامته من اللحن، فإنها أمور سَمْعيِّة، ولا مجالَ للعقل فيها عن سبيل الاستقلال، فلابدَّ من النحو، بالضرورة، فيها، والمنطقُ يُستغنَى عنه بصفاء العقل، فصارت الحاجةُ للنحو أعظمَ، وثمرتُه أكثرُ، فيكون أفضل. وثالثها: علم النحو مع أصُول الفقه، كلاهما مثْمِرٌ، غير أن أصول الفقه يثمر الاحكام الشرعية، فإنها مِنه توخذ، فالشريعة من أولها إلى آخرها مبنية على أصول الفقه، والنحوُ إنما أثره في تصحيح الالفاظ وبعض المعاني، والالفاظ إنما هي وسائل، والاحكام الشرعية مقاصد، والمقاصِدُ أفضل من الوسائل. قلت: والغاية من ايراد هاتين المسألتين الفقهيتين المتعلقتين بالحساب والمساحة، والهدف من إيراد بعض الامثلة في تفضيل بعض العلوم على بعض، وهي مسائل اختصرها الشيخ البقوري =