للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصوفيةُ بأنه عليه السلام كالشمس يُرَى في أماكن عِدَّةٍ وهي واحدة، وهو باطل، فإنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يراه زيدٌ في بيته، ويراه عمْرٌو، كذلك ويراه في بيته بجملتِه، والشمس إنما تُرى من أماكن عِدة وهي بمكان واحد، فلو رِيئَتْ داخل بَيْتٍ بِجِرْمها استحال رؤية جِرمِها داخِل بيتٍ آخر، وهذا هو الذي يوازي رؤية رسول الله عدرو: في بيتين، والاشكال لم يَرِدْ في رؤيته في مواضع عدة، وإنما ورد بحسَب ما قلنا، فلا يتجه الجواب إلا بإثبات المُثُل وتعدادها. (٢٣٠)

قلت: أبو حامد الغزالي من الصوفية وهو قائل بأن الرؤية تعلَّقت بالمثال، وأنكر غيره، وبَلَّدَ من لَمْ يقل به، وهذا هو معنى قوله عليه السلام: "فقد رآني حقاً"، أي رأى مثالي فإن الشيطان لا يتمثل بي، وأن الخبر شهِد بعصمة المِثال من الشيطان.

المسألة الخامسة. قال شهاب الدين: قال العلماء: إنما تصِحُّ رؤية التي - صلى الله عليه وسلم - لأحدِ رجلين: أحدُهما صحابي رآه فعلم صفته فانطبع في نفْسِهِ مثالُهُ، وثانيهما رجل تكرر عليه عاع صفاته بالنقل حتى انطبعت في نفسه صفته عليه السلام ومثاله المعصوم، كما انطبع لمن رآه، (٢٣١) فهذان ينتفي عنهما اللبْسُ والرّيْبُ،


(٢٣٠) عبارة القرافي: فلا يتجه الجواب إلا بان المرئي مثاله عليه السلام لا ذاتُهُ. كذلك كل مرئي من بحر أو جبل أو آدمى أو غيره إنما يرى مثالُه لا هو بذاته، وبه يظهر معنى قوله عليه الصلاة والسلام: "من رآني فقد رآني حقاً، فإن الشيطان لا يتمثل به"، وأن التقدير من رأى مثالي فقد رآني حقا، فإن الشيطان لا يتمثل به". وأن الخبر إنما يشهد بعصمة المثال عن الشيطان ... الخ.
(٢٣١) عبارة القرافي هنا: "كما حصل ذلك لمن رآه. فإذا رآه جزم برؤية مثاله عليه السلام كما يجزم به من رآه، فينتفي عنه اللبس والشك في رؤيته عليه السلاة والسلام، وأمّا غير هذين فلا يحصل له الجزم، بل يجوز أن يكون رآه، عليه السلام، بمثاله، ويحتمل أن يكون من تخييل الشيطان، ولا يفيد قول المرئي لمن يراه: أنا رسول الله، ولا قول من يحضر معه: هذا رسول الله، لأن الشيطان يكذب إنفسه ويكذب لغيره، فلا يحصل الجزم.
إذا تقرر هذا فإنه لابدَّ من رؤية مثاله المخصوص، فيشكل ذلك بما تقرر في كتب التعبير أن الرائي يراه شيخا وشابا وأسْود، وذاهبَ العينين، وذاهبَ اليدين، وعلى أنواع شَتَّى من المُثُلِ التي ليست مثاله عليه السلام.
فالجواب عن هذا أن هذه الصفات صفات الرائين وأحوالهم، يظهر فيها عليه الصلاة والسلام، وهو كالمرآة لهم". =

<<  <  ج: ص:  >  >>