للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

احتاجت، فإن كانت المناسَبَة بوجْهٍ ما حاصلةً فهى رؤياه والا فهي أضغاث أحْلامٍ. (٢٢٩)

المسألة الثالثة قال الاستاذ أبو اسحاق رضي الله عنه: الإِدراك يُضاده النوم اتفاقا، والرؤيا إدراك المِثْلِ، فكيف تجتمع مع النوم؟ .

وأجاب بأن النفس ذاتُ جواهر، فإنْ عَمّها النومُ فلا إدراك ولا منام، وإن قام عَرَضُ النوم ببعضها أمْكن قيام إدراك المنام بالبعض الآخَرِ، وكذلك اكثر المنامات آخر الليل عند خِفّة النوم.

المسألة الرابعة: إذا كان المُدرَك إنما هي المُثُل، وبه خرَجَ الجوابُ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُرَى في الآن الواحدِ في مكانين، فإنّ المرئي في مكانين مثالان ولا إشكال حينئذ. وأمّا إشكال أن يكون الواحد في مكانين في زمان واحد فأجاب


(٢٢٩) الاضغاث جمع ضِغث بكسر الضاد وسكون الغين والتاء المثلثة هو ما كان مختلطا من الامر، ولا حقيقةَ له، والأحلام. جمع حُلُم بضم الحاء واللام وبإسكانِها، ما يراه النائم في النوم. ويطلق ويراد به بلوع الولد مبلغ التكليف بعلامة البلوغ في الذكر والانثى. ومنه الآية الكريمة: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}. سورة النور، الآية ٥٩ وأضغاث الأحلام هي الأحلام المختلطة الملتبسة التي لا يصح تاويلها وتفسيرها.
وقد وردت هذه الكلمة في القرآن الكريم، في سورة يوسف كما سبقت الاشارة إليها، فيما يتعلق بتعبيره الرؤيا وتأويلها وتفسيرها. وفي أول سورة الانبياء، فيما حكاه الله عن الكافرين من إنكارهم الوحى والقرآن الكريم، وجمعية نبينا المصطفي الامين فقال تعالى حكاية عنهم: {بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (٥) مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (٦) وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} الآيات: ٥ - ٧. من سورة الأنبياء.
ويطلق الضغث ويراد به القَبضة أو الكَمِّية من الحشيش يختلط بها الرطْب باليابس، ومنه الآية الكريمة. خطابا لنبي الله، سيدنا أيوب عليه السلام: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٤٤} الآية ٧٧ من سورة ص.
وكان أيوبُ عليه السلام قد لقي من زوجته التي صبرتْ معه على بلائه بالمرض بعض الضجر، فحلف إن برئ لَيَضربنها مائَة سوط، فألهمه الله وأوحى إليه أن ياخذ حَزمة من قصب وأعواد مختلطة، فيها مائة سوْط، فيضربها ضربة واحدة خفيفة، فيَكون كأنه ضربها مائة مرة، فيبَرُّ في يمينه ويَسْلَم مِن حِنثه، وذلك من لطِف الله وسَعَة رحمته بِنبيه أيوب وزوجه التي قامت على رعايته في شدة مرضه الدي طال به، صابرة محتسبة لله تعالى في ذلك، راجية منه سبحانه حسن الأجر والمثوبة، وهو سبحانه لا يضيع أجْر المحسنين.

<<  <  ج: ص:  >  >>