وخاصة في هذا العصر الذي تقدمت فيه علوم الفلك، والتوقيت والأرصاد الجوية، وعلوم البحار، وأصبح هذا العلم ضروريا أكثر من أي وقت مضى، ومفيدا اكثر بالنسبة للملاحة البحرية والجوية، وغيرها من حساب الاهلة والمواقيت الزمانية، وكما أصبح يصل اليه هذا العلم من دقة في محرفة حركة الكواكب وحساب الشهور والأهلة، ورصد الاجرام السماوية، واكتشاف المجرات السماوية. على أن ذلك كله يبقى داخلا في نطاق ما علمه الله للناس، وسخره لهم وأرشدهم إلى معرفة قوانينهِ، ليزدادوا إيماناً ويقينا بِريهم وبقدرة الله وعظمته وجلاله، ولا ينبغي اعتباره من باب العلم بالغيب بحال من الأحوال، فإن ذلك مستحيل في حق الانسانْ، وهو ممَّا استأثر الله وحده به، بقدر ما ينبغي اعتبارُهُ من بابِ تعلم العلوم والاستئناس بها، والاهتداء للتوقعات المنتظرة من خلال معرفة تلك العلوم، فإن علم الله تعالى محيط بكل شيء وهو أزلي قديم قدم ذاته سبحانه، وهو العليم بما كان وما سيكون قبل خلق الاكوان. وعلِم البشر حادث ومحدود، لا يعلم الا ما علمه الله، ولا يستطيع خرْق حجب الغيب مهما بلغ من المعرفة ووسائلها المادية، مصداقا لقوله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: ٨٥]. (٨٥) هذا الحديث القدس أررده الإِمام القرافي رحمه الله، وها أنا أذكر لك نصه بتمامه. عن زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - أنه قال: صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليلِ (أي على إثر مطر نزل في الليل)، فلما انصرف النبي - صلى الله عليه وسلم - أقبل على الناس فقال: هل تدْرون ماذا قال ربكم؟ ، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال، قال: أصبح من عبادي مومن بكافر، فأما من قال: مُطِرنا بفضل الله ورحمته فذلك مومن بى، كافر بالكواكب، وأما من قال: بِنَوْءِ كذا وكذا (أي بِنَجْمِ كذا وكذا)، فذلك كافر بي، مومن بالكواكب". حديث صحيح متفق عليه بين إمامي الحديث: البخاري ومسلم رحمهما الله =