للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك ويؤدَّب، وليس اختلافا في قول، بل هو اختلاف في حال، (٨٦). فإن قال بأن الكواكب مستقلة بالتاثير قُتل ولم يُستَتَبْ إن كان يسِره لأنه زنديق، وإن أظهره فهو مرتد، يستتاب. وإن اعتقَدَ أن الله تعالى هو الفاعل عندها زُجرَ عن الاعتقاد الكاذب، لأنه بدعة تُسقِط العدالة، فلا يحل للمسلِمِ تصديقُهُ. (٨٧) قال: والذي


= والمعنى الاجمالي لهذا الحديث بايجاز واختصار، هو أن من اعتقد أن المطر ينزل بأمر الله وارادته، وقُدْرته، وفضله ورحمته بعباده في الوقت الذي يشاء سبحانه، إنه لا أثر ولا تأثير لشيء من الكواكب والنجوم والتكهنات بها وبحركاتها في نزول المطر أو عدمه، فذلك هو المومن بالله، ومن اعتقد أن لتلك النجوم او الكواكب اثرا وتاثير في نزول المطر وانحباسه فذلكِ كافر بالله، مومن بالكواكب.
ومما يدل على بطلان قول المنجِّمين والعرَّافين والكاهنين، ويحَذرُ المسلمَ عن الذهاب. اليهم والاخذ بأقوالهم ما أخرجه الامام مسلم عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، أمهات المومنين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أتى عرافا فسأله عن شيء، لم تُقبل له صلاته أربعين ليلة"، وفي رواية إلامام احمد بن حنبل من مسنده: "من أتى عرَّافا أو كاهنا فصدقه بما قال فقد كفر بما أنزِل على محمد" لأن مما أنزل عليه - صلى الله عليه وسلم - أن الغيب لا يعلمه إلا اللهُ، فعمَلُ المنجمين والعرافين والكُهَّان يعتمد على الرجم بالغيب وعلى الخيال والاوهام، ويهدف إلى تضليل السذج من الناس وضِعاف الإِيمان والعقول، فهو عمل حرام. أعاذنا الله من ذلك، وحفظنا منه، وهدى الناس للتمسك باعتقادهم الصحيح فِى الله سبحانه وتعالى.
ومن هنا يظهر الفرق بين عمل علماء الفلك والتوقيت، حيث ينبني على علم دقيق بالحساب ومعرفة علمية وحركات الافلاك، ويتلقاه الناس خلفا عن سلف، وبين عمل المنجمين، القائم على الاوهاء والخيال والضلال المبين، أعاذنا الله من ذلك ووقانا من شره وإثمه، وحفظنا في اخلاص توحيد الله سبحانه وعبادته، فهو سبحانه العليم وحده بالغيب كله، الفاعل لما ويد في كونه وبعباده، إذا اردا شيئا قال له كن فيكون، مصداقا لقول الله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٥٩)} [الأنعام: ٥٩]، وبقوله سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى: ٢٨].
(٨٦) الاختلاف في حال، هو مصطلح فقهي يراد به أن القائل بقول لو نظر إلى أساس قول خالفه وإلى أصله ردليله ووجهة نظره لقال بقوله ولم يخالفه فيه، الطرف الآخر كذلك.
(٨٧) السلف الصالح من علماء السنة، ومنهم الاشاعرة في مباحث علم التوحيد، لا يقبلون بالقوْل بتأثير الأشياء بنفسها وذاتها، ولا بطعِها ولا بِعِلتها، ولا بقوة مودَعة فيها، فالنارُ مثلا تحرق وتؤثر بقدرة الله وبأمره، ولذلك لم تحرق نبي الله ابراهيم عليه السلام، وذلك معجزة له وكرامة له أظهرها الله له، وردَّ لها كيد أعدائه حين قال الحق سبحانه: {قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: ٦٩] والطعام يُشبعُ، والماءُ يُرْوي ويزيل الظمأ والعطش بإذن الله وأمره، وإرادته وقدرته، لا بذات الطعاء والماء نفسه، ولذلك قال صاحب منظومة الخريدة البهية في العقائد التوحيدية لناظمها أبي البركات أحمد بن محمد الدّرْدير رحمه الله حين نظم هذه الحقيقة بقوله:

<<  <  ج: ص:  >  >>