للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انسانا، ضَمن الراكب، بخلاف الصغيرة، لأن الصغيرة لا يمكنه التحفظ منها، ويتحفّظ من الكبيرة بالتنكب عنها.

احتجوا بوجوه:

الأول قوله عليه الصلاة والسلام: "جَرْحُ العجماء جُبَارٌ".

الثاني القياس على النهار. وما ذكرتموه في الفرق بالحراسة باطل، لأنه لا فرق بين من حفِظ ماله فأتلفه إنسان أو أهمله فأتلفه، أنه يضمن في الوجهين.

الثالث القياس على جناية الانسان على نفسه وماله، وجنايته على أهل الحرب أو مالِهِمْ.

والجواب عن الأول أن الجَرْحَ عندنا جُبَارٌ، (أي هَدَرٌ)، وإنما النزاع في غير الجرح. وقد اتفقنا على تضمين السائق والراكب.

وِعن الثاني الفرق المتقدم. وعن الثالث أنه قياس خَالَف الآية. وأيضا فهو بالليل مفَرّط، وبالنهار ليس مُفرّطاً.

سؤال في قوله تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} يقتضي أن حكمه كان أقربٌ إلى الصواب، مع أن حكم داود عليه السلام لو وقع في شرْعنا أمْضيناه، لأن قيمة الزرع يجوز أن تُوخَذ فيها غَنَم، لأن صاحبها مفْلِسٌ مثلا، وغيرُ ذلك، وأمّا حكم سليمان عليه السلام لو وقع في شرعنا من بعض القضاة ما أمضيناه، لأنه إيجابٌ لقيمةٍ مؤجَّلَةٍ، ولا يلزم ذلك صاحبَ الحرْثِ، لأن الأصل في القيَم الحلولُ إذا وجبتْ في الاتلافات، ولأنه إحالة على أعيان لا يجوز بيعها، وما لا يُبَاع لا يُعاوَضُ به في القيم، فُلزم أحدُ الأمرين: إما أن لا تكون شريعتنا أعمَّ في المصالح (*)، أو يكون


= وهو من الحالات التي يعود فيها الضمير على ما بعده، إذ الاصل في ضمير الغائب أن يعود على ما قبله، كما هو معروف، وإلى تلك الحالات يشير الناظم لها بقوله.
وعَوْدُ مُضمِرَ على ما بعْدَه .... لفظاً ورتْبةَ فحصِّلْ عَدَّهُ
في مضمر الشأن ورُبَّ والبدَل ... نعْمَ وبئسَ وتنَازعِ العَمَلْ
وأمثلتها تكفّلتْ بها كتب النحو، كما سبقت الإشارة اليه والتذكير به في محله من الجزء الاول من هذا الكتاب، وفي هذه المسألة للمناسَبة.
(*) كذا في جميع النسخ الثلاث لترتيب الفروق. وعند القرافي هنا: "إمّا ان تكون شريعتنا أتَمَّ في المصالحِ أكمل الشرائع" بالإثبات، ولعل ما هنا عند البقوري بالنفي أصْوَبُ وأنْسَب في المعنى المراد، فليتأمل ذلك وليُحَقَّقْ للتاكد من الصواب ووجهه بالنسبة للعبارتيْن معاً، وَلْيُرْجَعْ فيه إلى التفاسير عند هذه الآية الكريمة والتي قبلها من سورة الأنبياء: ٧٩، ٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>