للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحتجُّوا بوجوه:

الأول أن مُدْرَكَ عدَم الضمان، إنَّما هو إذْنُ المالك لَا جوازُ الفعل، لأنه لَوْ أذِن له في قتل عبدهِ لا يضمَن، ولوْ أكلَه لمجاعة ضَمِنَهُ.

الثاني أن الآدمي له قصد واختيار، فلذلك لم يَضمَنْ، والبهيمة لا اختيار لها.

الثالث قوله عليه السلام: "جَرْحُ العجماء جُبَارٌ" (١٧)، وذلِكَ يقتضي نفْيَ الضمان فيها.

الجواب عن الأول أن الضمان يتوقف على عدم جواز الفعل، بدليل أن الصائل (١٨) إذا صال على محرَّم لم يَضمَنْهُ.

وعن الثاني أنَّ البهِيمة لها اختيار اعتبره الشرع، وذلك ظاهر في باب الصيْد.

وعن الثالث أن الهدْر (١٩) يقتضي عدم الضمان مُطلقا، وأنتم لا تقولون به.


(١٧) عباز القرافي هنا وردتْ بنفس الصيغة، ولمْ يذكر من اخرجه، وهو حديث صحيح أخرجه أئمة الحديث: مالِك في الموطأ والبخاري ومسلم والترمذي رحمهم الله، عن أبي هريرة رضي الله عنه. ومعنى الحديث ومدلوُلهُ أن ما ترتكبه الحيواناتُ العجمَاءُ من إفساد وإتلاف للغرس أو الزرع المملوك لغير صاحبها فهو جُبارٌ على وزن غَراب، أيْ هو هدَرٌ لا ضمان فيه على مالكها، مَا لمْ يكن معها ويقصِّرْ في ضبطها ورعْيها، وإلا فعليه الضمان، كما سياتي بعدُ في مسألة الماشية إذا أفسدتْ شيئا من الزرع بالنهار أو بالليل، وانظر هذا الحديث في شروحه الوفيرة.
(١٨) في نسخة، ع وح: الصيد، وهو ما في كتاب الفروق عند القرافي، ولعله خطأ في النسخ ترك المعنى غامضا وغيرَ واضح، وفي نسخة ت: الصائل وهو الصواب فيما يظهر، بدليل الفعل الآتي بعده من مادته، وهو قوله: إذا صال على: محرَّم. وبهذا التصحيح ينكشف المعنى ويتضح جليا، ويزول الغموض والتوقُّف عنده للاستيضاح، فلِيتأمل ذلك ولْيُحَقَّقْ، والله أعلم.
(١٩) الهدْر بسكون الدال وفتحها، مصدر هدر الدمَ يهدُره بضم الدال كسرها في المضارع، ويقال أهدره إذا أباحه وأبطل ضمانه والمؤاخذةَ عليه بالقصاص والدية، وهو أمر مشروع في حالة الدفاع عن النفس والعرْض والمال، ومن حق الإِمام السلطان في شأن من ثبت إجرامُه وجنايته على المسلمين، وترويعه لِأمْنِهِمْ وراحتهم واطمئنانهم إذا فرَّ ولم يقع التمكن منه، لإقامة القِصاص عليه، فقد جعل الله القصاص الشرعي وسيلة للْحياة الآمنة للناس، مصداقا لقول الله تعالى: =

<<  <  ج: ص:  >  >>