للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: "كُن عبد الله، المقتوَل، ولا تكنْ عبد الله القاتل" (١٥).

ووافقنَا الشافعيُّ أنه لا يَضمن الفحلَ الصائل، (١٦) والمجنونَ والصغيره وقال أبو حنيفة: يباحُ له الدفعُ ويَضمن، واتفقوا إذا كان ذميّاً بالغا عاقلا أنهُ لا يَضمن.

لنا وجوه:

الأول أن الأصل عدم الضمان. الثاني القياس على الآدمي، الثالث القياس على الدابة المعروفة بالأذَى أنها تُقْتَلُ ولا تُضمَنُ إجْماعا.


(١٥) عبارة القرافي هنا هي قولُهُ: ومستَنَدُ ترك الدفع عن النفس (أيْ في حالة الصِّيالِ) ما في الصحيح عن رسول الله - صلي الله عليه وسلم -، فذكر ذلك الحديث، ولقصة ابنيْ آدَمَ إذْ قَرَّبَا قُرْباناً فتُقُبِّل من أحدهما ولمْ يُتقَبلْ من الآخَر"، وقد سبقت الإِشارة إلى هذا قريبا. في التعليق ١٣، من القاعده ٥ في الاجارة.
(١٦) المراد بالفحل -كما هو معروف- الذكرُ من كل حيوان، في مقابلة الآنثى منه، فقد يَحْدُث أن يخرج فحل الحيوان أو أنثاه من الابل أو الخيل أو البقر مثلا عن طوره وحاله المعتاد، فيباغت الانسان ويهاجمه، ويريد أن يؤدي بحياته، كما يقع ذلك من الانسان الصائل البالغ العاقل، أوْ من الصغير والمجنون ومختل العقل، فأذِنَ الشرع للانسان في هذه الحالة: والموقف الصعب بالدفاع عن نفسه وحياته، وعن عِرضه وأهله وماله، بما لديه من قوة ووسائل ممكنة، لما لهذه الاشياء من مكانة كبيرة وحرمة عظيمة في الاسلام، وعند الله تعالى، جعلتها من المقاصد الضرورية التي جآت بحفظها ووقايتها من المَهَالك والاخطار كل ملة وشريعة ربانية، ولذلكم جاء في الحديث الصحيح المشهور: "مَنْ قُتِلَ دون نفسه (أي دفاعا عنها) فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد". أورده الامام السيوطي في الجامع الصغير، نقلا له عن الائمة: احمد بن حنبل وبعضِ اصحاب السنن، وروايةً له عن سعيد بن زيد، رحم الله الجميع. وما أَدَقَّ وألْطَفَ قول الإِمام محمد بن سعيد البوصيري الصنهاجي رحمه الله في هذا المعني، وهو يتحدَّثُ في قصيدته البُرْدة في مدح خير البرية عن القرآن الكريم، ومعجزته الخالده التي أعجزت بُلَغاء العرب في تحدٍّ لهم بكيفية مستمرة إلى يوم الدين.
رَدَّتْ بلاغتُها دعوى معارضها ... ردَّ الغَيُور يَدَ الجاني عن الحُرَمِ
لها معانٍ كموج البَحْر في مَدَدٍ ... وفوق جوهره في الحُسْنِ والقِيَمِ
فَمَا تُعَدُّو ولا تُحْصَى عجائِبُها ... ولا تُسَامُ على الإِكثار بالسَّأمِ
قرَّت بها عَيْنُ قاريها فقلت له ... لقد ظفرتَ بحبل الله فاعتصِمِ
وفي هذه الأبيات إشارة إلى حديث الامام الترمذي عن الحارث رضي الله عنه، والذي جاء فيه وصْفٌ جليل وَذكر لفضائلِ القرآن: "هو حبْل الله، المتينُ، وهو الصراطُ الستقيم، هو الذي لا تَزيغ به الأهواءُ، ولا تلتبس به الألسنةُ، ولا يَشبَع منه العلماءُ، ولا يخلَقُ على كثر الرد، ولا تنقضى عجائبه". (أي لا يبلى على كثرة تلاوته، ولا تسامه النفوس على كثرة قرآته، بل تزداد شوقا وتأثرا واهتداء به. وإن علماء المسلمين يكتشفون دائما أسراره، ويدركون أحكامه ومقاصده. ويتذوق المومنون حلاوته وطلاوته).

<<  <  ج: ص:  >  >>