للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولنا قاعدة أخرى أصولية فقهية، وهي أن الأصل توقُّفُ المسبَّبات على أسبابها من غير تراخٍ، فترتَّبَ الضمان حِينَ وضع اليد لا بعد ذلك، والمضمون لا يُضمَن، لأنه تحصيل الحاصل.

احتجوا بأن الغاصب في كل وقت مامورٌ بالرَّد، فهو مامورٌ بردّ الزيادة، وما رَدَّها، فيكون غاصِبًا لها فيضمنها. وأيضا فإن الزيادة نشأت على مِلكه وفي مِلكه، فتكون مِلْكَهُ ويدُ العُدْوان عليها، فتكون مغصوبة، فتُضْمَن كالعَيْن المغصوبة، ولأنه في الحمالة الثانية ظالمٌ، والظلْمُ عِلَّة الضمان، فيضمن.

والجواب عن الكل أنا لَا نسلم أنها سبب الضمان بل سبَبُه وَضْع اليد. هكا يقتضي لفظ صاحب الشرعِ صلوات الله عليه، وأفْهَمَ أن غيرَ وضع اليد ليس بسبب، فلابُدَّ من دليل على المسألةِ، غَيْرِ ما ذكرناه، وما ذكرتموه لا دليل فيه.

المسألة الثانية: إذا ذهب جُلُّ منفعة العين كمن قطع ذَنَب بغلة القاضي ونحو ذلك، فعندنا يضمن الجميع، وهو فرعٌ اختلَفَ فيه المذهب وتشعَّبَت فيه الآراء وطرُق الاجتهاد، فقال أبو حنيفة في الثوب والعبد كقولنا في الأكثر، فإن ذهب الصِف أو الأقَل باعتبار القيمة عادةً فليس له إلا ما نقصَ. وقال الشافعي وابن حنبل: ليس له في الجميع إلّا ما نقصَ، لأن الأصل بقاءُ ما بَقي على مِلكه، فإن قُطِع يَدا العبد أو رِجْلاه، فوافقَنَا أبو حنيفة في تخيير السيد في تسْليم العبد وأخْذِ القيمة كاملةً، وبَيْنَ إمساكه ولا شيء له. وقال الشافعي: تَتَعَينُ القيمة كاملةً، خلاف قوله في المسألة الأولى، وهذا لأن الضمان الذي هو سبب العدوان لا يوجب مِلْكًا، لأنه سببُ التغليظ لا سببُ الرِّفْق. وعندنا المِلكُ يضاف للضمان لا لسببه، وهو قدْرٌ مشتَرَكٌ بين العُدْوان وغيره.

واعْلَم أن النقص عند العلماء على ثلاثة أقسام: تارةً يُذهب العَيْن بالكُلية، فله طلب القيمة اتفاقا، وتارة يكون النقص يَسيرًا فليس له إلزامُ القيمة اتفاقا، وتارة يكون الذاهب مُخِلا بالمقصود، فهو مَحَل الخلاف. وقال الشيخ أبو الحسنِ اللخمى: التَّعدِّي أقسام: يسِيرٌ لا يُبطل الغرضَ المقصود منه، ويسيرٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>