للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن الضمان متعلق بالسبَب الذي تَوَصَّلَ به الطائرُ لقصده، كمن أرسَلَ بازيًا على طائر غيره فقتله البازي باختياره، فإنَّ المُرْسِل يَضْمَنُ. وهذه المسألة تنقض اختيار الحيوان.

وأيْضا لا نسلِم أن الفتح سببٌ مجردٌ، بل هو في معنى المباشرَة، لِما في طبع الحيوان من النُّفورِ من الآدَمي.

وها هنا مسألتان: (١١)

المسألة الأولى: متى يضمن الغاصب؟

فعندنا يومَ الغصب، وعند الشافعي يعتبر الأحوال كلها فيضمن أعْلى القيمة.

وتظهر فائدة الخلاف إذا غصَبها ضعيفة مُشَوَّهَةً معِيبَة بأنواع من العيوب فزالت تلك العيوبُ عنده، فعندنا القيمةَ الأولى، وعنده الثانية، لاعْتِبَارِه الأعلى.

ولنا قاعدة أصولية، وهي أن ترتب الحكم على الوصف يدُلَّ على عِلّية ذلك الوصف لذلك الحكم (١٢)، ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قد رتَّب الضمانَ على الأخذ باليد، فيكونُ الأخذ هو سببَ الضمانِ، فمن ادَّعى غيرَه سبباً فعليه الدليل. وقوله أيضا عليه السلام: "على اليد ما أخذَتْ حتى تردَّه" (١٣) يدل على سببية الأخذ، وهو في أثناء الغصب لا يصْدُق عليه أنه أخَذَ الآن، بل أخذ فيما مضى، فوجَب أن يختَص السَّبَبُ بما مضى.


(١١) هذه الجملة والعبارة ناقصة في جميع النسخ الثلاث المعتمدة في حقيق وتصحيح هذا الكتاب من ترتيب الفروق للبقوري، ع، ح، ت. مذكورة هنا عند القرافي. وهي ضرورية للتمهيد للمسألة الاولى المتفرعة عن المسألتين ولربطها معهما حيث قال: وها هنا مسألتان: المسألة الأولى: إذا قلنا بالضمان فالضمان على الغاصب يوم الغصب دون ما بعده ... الح.
(١٢) مثال ذلك قول الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة: ٣٨]، وكذا قوله سبحانه: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: ٢]، فعِلة الحكم بالقطع هي السرقة، وبالجلد هي الزنى، وهي مستفادة من الوصف بالسارق والزاني.
(١٣) أخرجه الأئمة: احمد بن حنبل، وأبو داود، والحاكم، وصححه، عن سَمُرة رضي الله عنه. وأورَدَه السيد سابق في كتابه (فقه السنة) بلفظ "حتى تؤديه"، وهي بمعنى حتى ترده. أي على اليد ضمانُ ما أخذتْ من غيرِها بالغصب والقوة حتى ترده إلى صاحبه كما هو وكما أخَذَتْهُ ..

<<  <  ج: ص:  >  >>