للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثانية: الأجيرُ على حمْل الطعام الذي تتشوف النفوس إلى تناوله كالفواكه والأشربة والأطعمة المطبوخة، والشافعي طَرَدَ ما قاله في الاجارة كما قلنا قبل هذا، فَلم يقُلْ بالضمان في شيءٍ أصْلًا من هذا الباب، أعنِى بابَ الاجارة، وقد تقدم في الاجارة ذِكْر الصورتيْن، فهذا ما به يقعُ الضمان.

فإذا اجتمع سَبَبَاَنِ: المباشِرُ والسببُ من جهتينَ غُلِّبَ المباشرُ فكان الضمان به، كَمَنْ حفر بئرًا ليقع فيها حيوان، فجاء آخَرُ وألْقاه فيها (٧)، الضَّمان على الذي ألقاه لا على الحافِرِ، لأن شأن الشريعة تقديمُ الرَّاجح، إلا أن يكون المباشِرُ مامورًا كقْتلِ المكرَه، فإن القصاصَ يجب عليهما، أو يجبُ على المسبِّب وحده دون المباشِر كشهود زور فينَفِّذُ الحاكم الحكومة ثم يعترفون، فالضمانُ على الشهود دون الحاكم، ووقع في الباب مسائلُ كثيرة مختلَفٌ فيها، والقاعدة هي ما قرّرنا في أسباب الضمان وعدمه، والله أعلم.

قلت: وذَكَرَ شهاب الدين -رحمه الله- فرقا آخَرَ وهو هذا بعينه، لكنه زاد فيه مسألتين، رأيت ذكْرَ المسألتين فقط هنا مع شيء يسير من الخلاف الواقع بين الفقهاء لا غيرُ.

من الخلاف أولًا أنّ أبا حنيفة لا يرى أن السبَبَ يوجب الضمان إلّا في الزِّرّ إذا حلّه فيَبْدُو ما فيه، وأمّا غيْرُ هذه الصورة كفتْح قَفَصٍ فيه طائر فيطيرُ، لا ضمان عنده فيه ولا في غيره إلّا ما ذُكر. ومالِكٌ يرى الضمان في هذا وفي


= استعماله، فكان هذا من الامور العامة الغالبة التي تجب مراعاتها والنظرُ فيها للفريقين جميعا، فكان الحض في دفعها إليهم على التضمين حتى إذا عُلِمَ إهلاكها بالبينة من غيرِ تضييع، لم يَضمنوا، لإزالة الضرر عنهم، كما إذا لم يُعلم الهلاك والتلف ضمِنوا، لإزالة الضرر عن أهل الاموال، هذا قول مالك رحمه الله أنهم ضامنون لِما غابوا عليه وادعَوا تلفه ولم يُعلَم ذلك إلا بقولهم، ولا ضمانَ عليهمِ فيما ثبت ضياعه بالبينة من غير تضييع. وتابَعه على ذلك جميع اصحابه إلا أشهبَ، فإنه ضمنهم وإن قامت البينة على التلف، وكذلك الرهن عنده، قياسا على العارية أنها مؤدّاة، للحديث. وللفقيه العلامة الشهير المالكي الحسن بن رحال المعدني التدلاوي: مخطوط صغير مفيد في موضوع تضمين الصناع، تحت رقم ١٤١٨ د. خ. ع بالرباط.
(٧) في جميع النسخ أعيد الضمير على البئر بصيغة المذكر، مع أنها مؤنث المعنى، وهو ما عند القرافي، ومنه: "بئر معطَّلَة"، في قوله تعالى: {فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} [الحج: ٤٥].

<<  <  ج: ص:  >  >>