وجعلت مبادئ المباحث في القواعد بذكر الفروق والسؤال عنها بين فرعين أو قاعدتين، فإن وقع السؤال عن الفرق بين الفرعين فبيانه بذكر قاعدة أو قاعدتين يحصل بهما الفرق، وهما المقصودتان، وذكر الفرق وسيلة لتحصيلهما، وإن وقع السؤال عن الفرق بين القاعدتين فالمقصود تحقيقهما، ويكون تحقيقهما بالسؤال عن الفرق بينهما أولى من تحقيقهما بغير ذلك، فإن ضم القاعدة إلى ما يشاكلها في الظاهر ويضادها في الباطن أولى، لأن الضد، يُظهر حسنَه الضدُّ وبضدها تتميز الأشياء، وتقدم قبل هذا كتاب. لي سميته (كتاب الإحكام في الفرق بين الفتاوى وتصرف القاضي والإِمام.) ذكرت في هذا الفرق أربعيَن مسألة جامعة لِأسرار هذه الفروق، وهو كتاب مسْتقِل يُستغْنَى به عن الإِعادة هنا. فمن شاء طالع ذلكَ الكتاب فهو حسن في بابه، وعوائد الفضلاء وضع كتب الفروق بين الفروع، وهذا في الفروق بين القواعد وتلخيصها، فله من الشرف على تلك الكتب شرف الفروق بين الفروع، وِسميته لذلك (أنوار البروق، في أنواء الفروق)، ولك أن تسميه (كتاب الأنوار والأنواء)، أو كتاب (الأنوار والقواعد السَّنِية في الأسرار الفقهية)، كل ذلك لك، وجمعت فيه من القواعد خمسمائة وثمانية وأربعين قاعدة، أوضحت كل قاعدة بما يناسبها من الفروع حتى يزداد انشراح القلب لغيرها".
ومن خلال هذه المقدمة التي أتى بها الإِمام شهاب الدين القرافي عن كتابه الفروق ومكانتِهِ العلمية تتجلى كذلك نفس المكانة التي لكتاب اختصاره وترتيبه هذا من طرف الشيخ أبي عبد الله محمد بن إبراهيم البقوري رحمه الله، حيث اختصر فيه كتاب الفروق، ورتب قواعده وِفْق العلوم المختلفة وعلى الأبواب الفقهية، وألحق به وأضاف إليه ما يناسبه من القواَعد والمسائل والفروع المماثلة، ونبه فيه على ما لم يذكره شيخه القرافي، فجاء كتاب الترتيب هذا صورة واضحة وصياغة جديدة لكتاب الفروق، تُيَسِّرُ الاستفادةَ منه والإِنتفاع به، وتُسَهِّلُ الرجوع إلى قواعده ومسائله، وتُعين على إدراكه وفهمه، وعلى استيعابه وتحصيله.
وانطلاقا من هذه المكانة التي لكتاب ترتيب الفروق كتراث فقهي جليل، وإنتاج مغربي أصيل. يكشف عن اهتمام علماء الغرب الإِسلامي في الأندلس والمغرب بهذا العلم المتصل بأصول الفقه وقواعده الكلية، والتقائهم فيه مع إخوانهم