للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكما جاء هذا عنه جاء بأن لا سبيل إلى الضم فيما عداها فقال:

لا يستعمل إلا في كذا، وذلك حصر لهذا الضم في الثلاثة، وترك له في غيرها، فكيف يلاحظ هذا النظر مع نهيه - عليه السلام - عنه، والله أعلم.

قال رحمه الله: فإن قلت: القاعدة في النذر أنه لا يجزئ فعلُ الأعلى عن فعل الأدنى، فمن نذر أن يتصدق برغيف لا يجزئه أن يتصدق بثوب وإن كان أعظم منه وقعاً عند الخلق وعند الله تعالى (١٠٢). وإذا صحت هذه القاعدة فكيف صح في هذا الباب أن من نذر أن يصلي ببيت المقدس ممن هو بمكة أو بالمدينة، فإنه لا يلزمه ذلك ويصلي حيث هو؟

فأجاب بأن قال: ما هو من باب إجزاء الأعلى عن الأدنى، الممنوع بحسب القاعدة الشرعية كما ذكرتم، وإنما هو من باب من نذر أن يتصدق بثوب فتصدق بثوبين فإنه يجزئه إجماعا.


= فإن الرجحان الشرعي حكم شرعي يتوقف على مدرك شرعي، والحديث السابق اقتضى عكس ذلك، فلا يجب السعي حينئذ إلى مسجد غير الثلاثة وإن نذره.
وأما ما وقع من قوله: يمشي إلى القريب مراعاة لضرورة النذر على وجه الندب دون الإلزام. وقول ابن حبيب يمشي إلى مسجد الجمعة، مشكل يتوقف ذلك على دليل يدل عليه، لما تقدم من القاعدة، وكذلك قول الأصحاب: يمشي إلى المسجد القرب، استحسان من غير مدرك ظاهر، والصواب ما تقدم.
وقد علق الشيخ ابن الشاط على هذا الكلام عند شهاب الدين القرافي، وعقب عليه بقوله:
ما قاله من أن المساجد مستوية بالنسبة إلى المكتوبة مع تسليمه قبل هذا أن بعضها أفضل من بعض، لا يتبين لي معناه، وإذا لم تكن الاعمال في بعض المساجد أفضل من الأعمال في غيره. فما المراد بفضل بعضها على بعض.
وما قاله القرافي هنا من ان الحكم الشرعي متوقف على مدرك شرعي، صحيح، وما قاله من إن الحديث السابق (وهو: لا تعمل المطي إلا لثلاثة مساجد .. ) يقتضي عكس ذلك ليس بصحيح، وقد سبق بيانه.
(١٠٢) قال ابن الشاط: إنما لم يجزئ فعل الأعلى عن فعل الادنى وإن كان الاعلى أعظم قدرًا، لأن في ترك الادنى المنذور مخالفة للنذر، وإذا خولف المنذور حصل ارتكاب المنوع، وهو عدم الوفاء لله تعالى بما التزم لوجهه.

<<  <  ج: ص:  >  >>