والمقصود أن المحل القابلَ هو قلبُ العبد المتقي، المُنيب إلى رَبّه، الخائف منه، الذي يَبتغي رضاه، ويهرُب من سخطه، فإذا هداه الله بكتابه فكأنّه وصل أثرُ فعله إلى محلٍّ قابل، فيتأثر به، فصار هُدًى له وشفاءً ورحمةً وموعظةً، بالوجود والفعل والقبول.
وإذا لم يكن المحل قابلًا وصل إليه الهُدَى فلم يُؤثّر فيه، كما يصلُ الغِذاءُ إلى محلِّ غير قابل للاغتذاء، فإنه لا يؤثرُ فيه شيئًا، بل ولا يزيده إلا ضعفًا وفسادًا إلى فساده.
كما قال تعالى في الآية التي نَزّلها (١): {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة: ١٢٤، ١٢٥].
فتخلُّفُ الاهتداء يكون لعدم قَبول المحل تارة، ولعدم آلة الهدى تارة، ولعدم فعل الفاعل وهو الهادي تارة، ولا يحصلُ الهُدى على الحقيقة إلا عند اجتماع هذه الأمور الثلاثة.
وقد قال سبحانه:{وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ}[الأنفال: ٢٣]، فأخبر سبحانه أنه قطع عنهم [١٣٠ ب] مادّة