وقد دل على هذا نسبةُ الله سبحانه ذلك الكيد إلى نفسه بقوله:{كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}[يوسف: ٧٦]، وهو سبحانه ينسبُ إلى نفسه أحسن هذه المعاني، وما هو منها حكمة وحقٌّ وصوابٌ، وجزاءٌ للمسيء، وذلك غايةُ العدل والحق، كقوله: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (١٥) وَأَكِيدُ كَيْدًا} [الطارق: ١٥، ١٦]، وقوله:{وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ}[آل عمران: ٥٤]، وقوله:{اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}[البقرة: ١٥]، وقوله:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ}[النساء: ١٤٢]، وقوله:{وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}[الأعراف: ١٨٣].
فهذا منه سبحانه في أعلى مراتب الحسن، وإن كان من العبد قبيحًا [١١٦ أ] سيئًا؛ لأنه ظالم فيه، ومُوقعه بمن لا يستحقه، والرب تعالى عادل فيه، موقعه بأهله ومَن يستحقه، سواءً قيل: إنه مجاز للمشاكلة الصورية، أو للمقابلة، أو سماه كذلك مشاكلةً لاسم ما فعلوه، أو قيل: إنه حقيقة، وإنّ مسمّى هذه الأفعال ينقسم إلى مذموم ومحمود، واللفظ حقيقةٌ في هذا وهذا، كما قد بسطنا هذا المعنى، واستوفينا عليه الكلام في كتاب «الصواعق»(١).
فصل
وإذا عُرف ذلك، فيوسف صلوات الله عليه وسلامه كِيدَ من وجوه عديدة:
أحدها: أن إخوته كادوه، حيثُ احتالوا في التفريق بينه وبين أبيه، كما قال له يعقوب صلوات الله وسلامه عليه:{لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا}[يوسف: ٥].