وقد جمع سبحانه بين ذكر الفتنتين في قوله:{كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[التوبة: ٦٩]، أي: تمتعوا بنصيبهم من الدنيا وشهواتها، والخَلاقُ: هو النصيبُ المقدَّر، ثم قال:{وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا}، فهذا الخوضُ بالباطل، وهو الشبهات.
فأشارَ سبحانه في هذه الآية إلى ما يحصلُ به فساد القلوب والأديان، من الاستمتاع بالخَلاق، والخوض بالباطل، لأن فساد الدِّين إما أن يكون باعتقاد الباطل والتكلُّم به، أو بالعمل بخلاف العلم الصحيح:
فالأول: هو البدعُ وما والاها، والثاني: فسقُ الأعمال.
فالأول: فسادٌ من جهة الشبهات، والثاني: من جهة الشهوات.
ولهذا كان السلف يقولون: احذروا من الناس صنفين: صاحب هَوًى قد فتنه هواه، وصاحبَ دُنيا أعْمتَه دُنياه.
وكانوا يقولون: احذروا فتنة العالم الفاجر، والعابد الجاهل، فإن فتنتهما فتنةٌ لكل مفتون (١).
(١) أُثر هذا القول عن سفيان الثوري، وقد تقدم تخريجه.