هنالك وأنا كالذي يختنق غرقاً في لُجّ البحر مُدّت إليّ يد قوية كريمة تُخرِجني إلى الهواء الطلق، إلى النسيم الرخي على البرّ الآمن، كانت يد معالي الشيخ محمد عمر توفيق. وكنت قد عرفته قراءة له قبل أن يُكتب لي اللقاء به؛ عرفته من كتاب «طه حسين والشيخان»، فعجبت لمّا قرأته أن أجد كاتباً حجازياً لا نعرفه ولم يصل إلينا اسمه، ينقد بحكمة البنّاء الحاذق لا بمعول العامل المخرّب بناء شاده أوسع أدباء العربية شهرة طه حسين، ثم لا يضعف عنه ولا يروعه منه انتشار اسمه وكثرة أوليائه. فسألت عنه فعلمت أنه أديب معروف وله منصب عالٍ، ثم إنه يكاد يكون نصف شامي، ذلك أن الترك في خوالف أيامهم شرّدوا على عهد فخري باشا كثيراً من أهل المدينة عن منازلهم فهاجروا إلى الشام، فكانوا ضيوفاً كراماً واتصلَت العِشرة بينهم وبين أهل دمشق، ثم صارت مصاهرة، وكان من ذلك أن جدّ الشيخ محمد عمر صاهر شيخ مشايخنا الشيخ جمال الدين القاسمي.
كما عرفت جماعة من أهل المدينة، منها الشيخ الخياري الذي كان يسكن شيخنا الشيخ الكافي في داره، وأحسبه كان يدفع أجرة الدار كلها وهم يُعِدّون له الطعام، أو لعلّ الصلة بينهم وبينه شيء آخر فما أعرفها على حقيقتها. وممن عرفنا من أهل المدينة الذين قدموا علينا أيام الحرب الأولى وفي أعقابها شيخ صوفي خرافي مكفوف البصر طلق اللسان، اسمه الشيخ العطية، كان يدرّس في الأموي فتجتمع عليه العامة وتتّسع حلقته حتى لا تكاد تقاربها حلقة أخرى، واتخذ داراً في حيّ النّوفرة بجوار المسجد،