مسافر حدّد غايته من السفر وعرف طريقه إليها، وتزوّد له زاده وهيّأ عتاده، ومشى فنزل منزلاً يستريح فيه، فأعجبه منظره وراقه جماله فبات فيه ليلة، فلما أصبح وهمّ بالمسير قالوا: إن ها هنا مهرجاناً يأتيه الناس من كل مكان ولم يبقَ دونه إلاّ يومان، أفتسير وتدع المهرجان وأنت في المكان؟ ألا تمشي إليه فتزوره؟ قال: بلى. فلما انتهى وأزمع السفر قالوا: إن أمامك بلداً قريباً لا يُترَك مثله وهو مقصود من بعيد، فكيف بك وأنت منه قريب، أفيصحّ عندك أن تمشي ولا تراه؟ قال: لا، لا يصحّ، فلنبقَ حتى نراه.
وما زال يقصد بلداً بعد بلد، وليسَت هذه البلاد على طريقه والمشيُ إليها يُطيل عليه الطريق وينأى به عن الغاية.
أنا يا سادة ذلكم المسافر، وأنا واقف الآن حائر؛ إن مضيت في سرد ذكرياتي مع السنين أضعت وحدة الموضوع وقطعت أوصال الحوادث، وفعلت ما فعل شيخ المؤرّخين ابن جرير ومن بعده ابن الأثير وابن كثير وكل من رتّب تاريخه على السنين. ومَن راعى الموضوعات وجمع أطراف الحادثات مشى في طريق