لماذا تحلو ذكرى الماضي ولو كان مُرّاً؟ هل تذهب الأيام بالمرارة وتصبّ في الأحداث -إن مضت- سكّراً وعسلاً، أم قد حلَت في عيني لأني فقدتها؟ ومن نكد الدنيا أن مسرّتها مشوبة بالألم وأن المرء لا يستحلي الشيء إلاّ إن خلت يده منه، وقد كان يزهد فيه لمّا كان في يده، وأنه يشتهي ما يُمنَع منه ويملّ مما يُعرَض عليه.
خرجنا مرة مع الأسرة أوائل إقامتي في مكّة من بضع وعشرين سنة إلى حديقة الزاهر، وكانت عروس الحدائق وفرحة المرتاد، وفي نيّتنا أن نبقى فيها إلى الليل. فنادوا أن باب الحديقة سيقفل ساعتين لضرورة عمرانية تقتضي الإغلاق، فمَن كان مستعجلاً فليخرج الآن أو فليبقَ حتى يُعاد فتح الباب. لمّا أحسست أني مُنعت من الخروج ضاقت بي الحديقة واسودّت في عيني، وشعرت بما يشعر به السجين بين جدران السجن!
وكنت أدرّس الأدب في بغداد من نصف قرن كامل، وكان ممن ندرس شعره وحياته من الشعراء شوقي، وكانت قصيدته