كان في طريق المطار القديم في الرياض حيّ لصغار الضباط فيه دار لرجل مدني يعمل مع الجيش. و «المدني» المنسوبُ إلى المدينة المنورة، ولا أدري لماذا يُصِرّ أحد إخواننا من الأدباء من أهل المدينة على قوله في النسبة إليها «مديني»، مع أن المديني، المحدّث المشهور، منسوب إلى مدينة المنصور في بغداد لا إلى المدينة المنورة. ثم إن المدني في الاصطلاح اليوم من لم يكن عسكرياً.
وجدت الدار صغيرة متداخلة ولكن حولها حديقة واسعة في وسطها بِركة كبيرة تصلح للسباحة (ولي مع السباحة قصّة ربما قصصتها عليكم يوماً قريباً، ما فيها منفعة ولكن ربما كان فيها متعة، ونحن نطلب في هذه الحياة بعض المتع والتسليات). أعجبتني الدار واتفقنا على أن تكون أجرتها أربعة آلاف ريال في السنة، وكانت أغلى دار قد استأجرها الإخوان لا تزيد أجرتها عن بضع مئات في العام.
وأحببت أن أُحصي المتاع وأن أكتبه فأبى، وحسبت إباءه ثقة منه بي، فإذا هو مبيّت نية في نفسه لا ينوي مثلَها شريف، ذلك أني تسلمت الدار وأخذت مفتاحها وذهبت إلى الكلّية، فلما عدت وجدت ما كان فيها ينقص شيئاً بعد شيء؛ كان على السرير غطاء مطرَّز كالذي يكون في الأعراس (وأنا لا أريده ولو طلبه لدفعته إليه) ولكن ساءني أن يأخذه في غيابي، ثم سدّ الباب الخلفي للدار وبنى غرفة جديدة أقام فيها هو وأهله، فقيّدَتني وسلبتني بعض حرّيتي. أمّا الحديقة فلا أنكر أنها جميلة، ولكن الجدار العالي من حولها يُشعِرني كأنني محبوس فيها كما يُحبَس