شعرت في الموصل كأنني في حلب (وإن لم أبِتْ في عمري كله إلاّ ليالي معدودة في حلب). ولمّا عدا اللصوص على تَركة مَن كانوا يدعونه «الرجل المريض»، عدوا على الدولة العثمانية لمّا مات عبد الحميد وجاء الاتحاديون أحفاد اليهود فأضعفوها ومزّقوا وحدتها وأبعدوها عن النصر لمّا أبعدوها عن الإسلام، لمّا تقاسم اللصوص هذه التركة كانت الموصل في القسمة مع سوريا، فلما ظهر النفط في أرضها (وكان الإنكليز يومئذ دهاة العالَم ودهاقين السياسة، وكانت لهم مملكة لا تغيب الشمس عنها) لعبوا لعبتهم فإذا الموصل مع العراق، لأن العراق يومئذ كان معهم، لا باختياره ورضاه فالمسلمون جميعاً، والعرب خاصّة، والعراق على الأخصّ، يأبى إلاّ الحُرّية الكاملة، لا يرضى وصاية من أحد ولا تبعيّة لأحد. وأنا لا أقول هذا الكلام تعصّباً لسوريا لتعود إليها الموصل ولا عداوة للعراق لينزع منها الموصل، فأنا أراهما بلدَين في دولة واحدة، وأنا كما قال الشيخ رضا الشبيبي:
ببغدادَ أشتاقُ الشآمَ وها أنا ... إلى الشامِ في بغدادَ جَمُّ التشوّقِ
وُلدت في دمشق، وأصلي من مصر، وقلبي متوجّه دوماً إلى مكّة كلّما قمت بين يدَي ربي، وانتسابي إلى كلّ بلد مسلم، وحُبّي لكل قطر عربي، ووطني حيث يُتلى القرآن ويُصدح بالأذان وتقوم صفوف المؤمنين بين أيدي الرحيم الرحمن. هذا هو الوطن عندي، لا الشام وحدها ولا مصر ولا العراق.