كان عملنا الذي سافرنا من أجله أن نعرّف بقضية فلسطين، فلما استوفيناه في الموصل توجّهنا إلى إربل (التي تُدعى اليوم أربيل)، ولها في التاريخ ذِكر لأن أوّل من جعل الاحتفال بيوم المولد عيداً ورتّب له مهرجانات واجتماعات هو ملكها الذي كان من قُوّاد صلاح الدين، فلما تصدّعَت هذه المملكة الضخمة وقام في كل جانب منها ملك من الملوك كان هو واحداً منهم، وخبره في كتابي «رجال من التاريخ»(١):
ممّا يزهّدني في أرضِ أندلسٍ ... ألقابُ معتضدٍ فيها ومعتمدِ
وإربل على تلّ صناعي عالٍ في رأسه قلعة واسعة هي المدينة، أو مدينة مسوّرة فيها القلعة. وأمثال هذه القلاع التي يتّسع سور إحداها حتى يضمّ صغار المدن، أو هذه المدن المسوَّرة كالقلاع القائمة كلّها على تلال مصنوعة، تمتدّ على امتداد الهلال الخصيب، من حِمْص إلى حماة إلى حلب إلى الموصل إلى كركوك وإربل، كأنها خطّ دفاعي عن هذه البلاد. وأجمل ما بقي منها قلعة حلب.
كان في إربل وفي السليمانية وفي كركوك مشايخ صالحون من شيوخ النقشبندية. وإذا كان في الطرق الصوفية ما يؤخَذ عليها
(١) انظر مقالة «الاحتفال بالمولد» في ذلك الكتاب (مجاهد).