للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من التاريخ» وفي غيره من كتبي.

كان عبد الله بن المبارك يحجّ سنة ويغزو سنة، فإذا أراد أن يحجّ بعث من ينادي في الناس: إن ابن المبارك يريد الحجّ فمن يحبّ أن يصحبه فليأتِ إليه. فيجيئه الناس أفواجاً فيقول لهم: نجعل نفقتنا شركة، فإن البركة فيها أكثر. فيعطيه كل منهم ما معه من النقود في صرّة يصرّها يكتب عليها اسمه، ثم يذهبون معه، فكلّما نزل منزلاً أعدّ لهم أطايب الطعام، ومن ذلك الطعام الفالوذج، يأكلونه ويأكل هو مِن زُهده -على غناه- طعاماً دون ذلك. ثم إذا أنهوا حجّهم قال لهم: انظروا ماذا تريدون أن تُهدوا إلى ذويكم وإلى أصدقائكم لأشتريه لكم ثم أحاسبكم عليه. فيشتري كلٌّ مايريد. حتى إذا ما رجعوا إلى بلادهم (وكانت بلده في أطراف بلاد الأفغان اليوم) أقام وليمة كبيرة، ثم أعاد لكل منهم صرّته التي فيها نقوده وكانت السفرة كلّها على حسابه.

ومن طريف خبره أنه نزل مرة منزلاً، فرأى بعدما نام أصحابُه شاباً يأتي إلى دجاجة ميتة كانوا قد رموا بها فيأخذها. فدعاه وسأله، فتردّد الشابّ واستحيا وامتنع عن الجواب. فلما ألحّ عليه علم أنه هو وأخت له لا يملكان شيئاً وأنهما احتاجا حتى حلّت لهما الميتة، فلذلك أخذ الدجاجة. فدعا عبد الله بن المبارك وكيلَه وقال: انظر كم بقي معك من النفقة (أي من نفقته هو لحجّه) فأَمسِكْ منها ما يكفي لعودتنا وادفع الباقي إلى هذا الشابّ، فإن إعطاءه خير لنا من حجّة النفل هذه السنة.

ذكرتُ هذه الحادثة استطراداً ليقرأها الذين يحجّون في كل سنة، لا سيما من المقيمين هنا في المملكة، فيضيّقون المكان

<<  <  ج: ص:  >  >>