للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقام يخطب في هذا الاجتماع شيخ بعمامة بيضاء عرفت -بعدُ- أنه رئيس هذا النادي. تكلّم فأجاد ونمّ ما قال عن علم وفضل وإخلاص، وأُعجبت به وأثنيت عليه. فلما كان من الغد وكان الشيخ الصوّاف يمرّ بي في سوق مزدحمة (بقيَت في نفسي صورتها وذهب مني اسمها) فوجدت محلاًّ لشواء اللحم، والشوّاء بمئزره الأحمر قائم في مدخله يقطّع اللحم للزبائن، وهم مزدحمون عليه. وفي المحلّ موائد يقعد عليها الآكلون، يأخذون اللحم الذي طلبوه فقطّعه لهم إلى حيث يُشوى قِطعاً أو كَباباً، ثم يأتون به فيأكلونه على هذه الموائد.

و «كَباب» الموصل وحلب أشهى وأشهر كَباب (١) في بلاد العرب. فقال لي الصواف: هل تُحِبّ أن ندخل فنأكل؟ قلت: أفي هذا المكان ووسط هذا الزحام؟ لا يا عم. قال: إنك تعرف صاحب المحلّ. قلت: وأنّى لي معرفته؟ قال: انظر إليه تذكره. قلت له: وأين هو حتى أنظر إليه؟ قال: ها هو ذا. وإذا هو يشير إلى الرجل ذي المِئزر الأحمر. وتلك -كما أدركت- عادة الجزّارين في ذلك البلد، يلبسون هذا الثوب الأحمر. فأنعمت النظر إليه وهو يقطّع اللحم من الخرفان المعلّقة بين يديه، فإذا هو صاحبنا بالأمس وإذا هو الشيخ الذي خطب في الاجتماع!

ومرّ بي الصوّاف في سوق تُباع فيها موادّ التموين فقعدت أمام دُكّان يزدحم الناس على صاحبها، هذا يطلب رزاً أو سُكّراً أو


(١) فائدة: الذي نسمّيه في بلاد الشام كلها «كباباً» يَدْعونه في مصر «كُفتَة»، و «الكباب» عندهم هو القِطَع المَشويّة (أو «الشُّقَف») في بلاد الشام، وهي «الأوصال» في الجزيرة العربية (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>