ويبدو أنه اصطَحبه معه لمساعدته، أو لأنه ما يزالُ في حاجة إلى التربية والتوجيه، ومهما يكن الأمرُ فقد وجَدْناهما يزورانِ معًا معالمَ تِلِمسان ومزاراتِها الواقعةَ خارج أسوار المدينة المحاصَرة يومئذ، وذلك في مقبُرة العبّاد التي عُني بنو مَرِين بأضرِحتها ومساجدها عنايةً ما تزال ناطقةً بمجدِهم. قال ابن عبد الملك متحدّثًا عن مدفَن أبي مَدْيَن الغَوْث:"ودُفن بمقبُرة العبّاد العُليا قِبلي تِلِمْسينَ إلى جنب الصالح الشهير أبي محمد عبد السّلام التونُسيِّ رحمهما الله، وقبراهما هنالك متبرَّكٌ بهما مَزُورانِ متعرَّفا البركة، نفَعَ الله بهما، وقد زُرتهما أنا وولدي أحمدُ هداه الله"(١).
وأمّا محمدٌ فلعلّه في التاريخ المذكور كان قد شَقّ طريقَ حياته العلميّة وبلغ مبلغَ الاعتماد على النفْس.
ويبدو أنّ أحمد هو ثاني ولدَي ابن عبد الملك اللّذين ذُكِرا في شيوخ ابن البنّاء حسبما نفهَمُه نحن من قول ابن القاضي ساردًا شيوخَ ابن البنّاء:"وأخَذ ابن البنّاء الحديثَ عن أبي عبد الله وأخيه ولدَيْ محمد بن عبد الملك بن سعيد الأنصاريِّ الأوسي ... ". ومعنى هذا -إذا صَحّ القَصْد- أنّ أحمدَ المذكور أصبح من أهل العلم الذين يؤخَذ عنهم، ولكننا لم نقفْ على ترجمةٍ له مثلما وقَفْنا على ترجمة أخيه الأكبر أبي عبد الله محمد عند ابن الخَطيب وابن حَجَر والنُّباهيِّ، ولعل أحمدَ هو أبو القاسم المذكورُ في الاستدعاء الكبير، فهي كُنيةُ منِ اسمُه أحمد في الغالب، ومعنى هذا أنه كان موجودًا وأهلًا للإجازة في سنة ٦٨٤ هـ، وهو تاريخ الاستدعاء الكبير الموجود في رحلة ابن رُشَيْد السَّبتي.
وأمّا محمد فقد وَرِث سرَّ أَبيه وأدبَه وإن لم يرثْ مالَه ولا نَشَبَه، وذلك ما سنشيرُ إليه فيما بعدُ، وقد اضطر أبو عبد الله محمدٌ ولدُ ابن عبد الملك إلى مهاجرة مَرّاكُش بلدِ آبائه وأجدادِه ودُفع إلى الرحيل عنها إلى الأندلس، قال النُّباهي: