للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَبكي بعدَ أن أُهبِطَ من الجنّة، جاء جِبريلُ عليه السلامُ فسَلَّمَ عليه، فبَكَى آدمُ حتى بَكى جِبريلُ لبكائه ثُم قال: يا آدمُ، ما هذا البكاء؟ قال: يا جِبريل، وكيف لا أبكي وقد حوَّلَني ربِّي من السماءِ إلى الأرض، ومن دارِ النعيم إلى دار البُؤْس؟ كان إذا رأى الملائكةَ ذَكَرَ الوَطَن فهاجَتْ حسَراتُه، ومتى تفكَّرَ فيما إليه نَزلَ سالت بالدّمِ عَبَراتُه، وكيف لا يتَجرَّعُ الأسفَ كلَّه، ومَن سجَدَ له بالأمسِ يرحَمُ اليومَ ذُلَّه؟! [الطويل]:

كفى حَزَنًا مثوايَ في أرضِ غُربةٍ ... وقلبيْ بأُخرى مُستهامٌ متَيَّمُ

أقول لبُعدِ الدار: يا طُولَ شِقوتي ... كأنّي بطِيب القُرب لم أكُ أنعَمُ

أُصانعُ لحْظَ العينِ عندَكَ خِيفةً ... واكتُمُ ما بي فيك واللهُ أعلمُ

وألثُمُ عُلْويَّ الرِّياح إذا سَرَتْ ... وما كنتُ لولا أنت للرِّيح ألثُمُ

ربيعيَ ذاك الوجهُ لو كان زائري ... وأوّلُ عامي من هواهُ المحرَّمُ

وَيْحَ ابنِ آدم، أمَا يَذكُرُ قصّةَ أبيه، ويقيسُ يسيرَ جِنايتِه بعظيم ما يجنيه؟! زادَ عليه في المخالفة طُولًا وعَرْضًا، فليتَه أُعطيَ من ندامتِه ولو بعضًا، زلَّةٌ أهبَطتْه من جنّة المأوى، وأدنفَتْه حتى أعلى بالشّكوى [مجزوء المنسرح]:

أتَى الخِيامَ بقلبٍ ... معَ الأصِحّاءِ صاحِ

وراح منها سَقيمًا ... نشوانَ من غيرِ راحِ

ولم يكنْ ما شَجَاهُ ... منه يَلوحُ لِلاحِ

لولا إفاضةُ دمعٍ ... قضَى لهُ بافْتضاحِ

والله ما راقَ عيني ... سَنا جَبينِ الصّباحِ

ولا انثناءُ غصونٍ ... ولا ثنايا أقاحِ

مُذْ قدَّرَ اللهُ بَعْدي ... عن أرضِكمْ وانتزاحي

<<  <  ج: ص:  >  >>