للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اشتراءً صحيحًا تامًّا شائعًا في جميع المَبِيع المذكور، وعامًّا ثبتَتْ قواعدُه، وظهَرَت بالتسليم الصّحيح شواهدُه، بلا شَرْطٍ ولا ثنيّا ولا خِيَار، ولا بقيّا معَ حظِّ نفسٍ ولا اختيار، بثمن رُتبتُه العنايةُ الرَّبّانيّة، وقسمتُه المشيئةُ الإلهيّة، بين عاجلٍ وآجِل، فالعاجلُ: العَوْنُ على كلِّ مندوبٍ ومفترَض، والصَّونُ عن كلِّ غَرَض وعَرَض، والثناءُ على النِّعم الظاهرةِ والباطنة، وإهداءُ الآلاءِ المتحرِّكةِ والساكنة، والآجِلُ: الفوزُ بالدارِ القُدُسيّة، والحَضرة الأُنْسيّة، التي فيها ما امتَدَّ به جَناحُ التواتر بالخَبَر الصّادقِ وانتشَر، ما لا عينٌ رأتْ ولا أُذُنٌ سمِعَتْ ولا خَطَرَ على قلبِ بشَر، من النَّعيم المُقيم السَّرمَديّ، والحُبورِ الدائم الأبديّ.

سَلَّمَ العبدُ المذكورُ هذا المَبِيعَ المذكورَ تسليمًا تبرَّأَ به من المَلَكة، ورفَعَ به يدَ الاعتراضِ عن ما يفعلُ الولى الجليلُ فيما تمَلَّكَه، وأيقَنَ أنه المتصرِّفُ فيه في سرِّه وجَهْرِه، وعَلِم أن المُلكَ المذكورَ تحتَ يدِ عزّتِه وقهرِه، تجري فيه أحكامُه القاهرة، وتنفُذُ فيه قضاياهُ الباهرة، وتُحيطُ به قُدرتُه الظاهرة، وقد أحاط المَوْلى الجليلُ بهذا المَبِيع المذكور إحاطةَ ظهور، ولم يَخْفَ عليه شيءٌ من قليلِه وكثيرِه، وجليله وحقيره، ومَبانيه ومَساكنِه، ومتحرِّكِه وساكنِه، إلا اطّلعَ عليها اطّلاعَ عليمٍ قدير، {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: ١٤].

ولمّا سَلَّم العبدُ المذكورَ المَبِيعَ المذكورَ وأمضاه، واستَسلَمَ لمَوْلاهُ فيما حَكَمَ به وقَضَاه، تفضَّلَ عليه مَوْلاه، وغمَرَه بجُودِه العميم وأوْلاه، وجعَلَ له السُّكنَى بهذا المنزلِ المذكور مدّةَ حياتِه، والإقامةَ فيه إلى حينِ مَماتِه وإتيانِ وفاتِه؛ إذ يستحيلُ على المَوْلى الجليلِ الحلولُ في شيّ أو السكون إلى شيّ، وهو مُوجِدُ كلِّ شيّ، وخالقُ كلِّ ميِّتٍ وحَيّ، ومُريدُ كلِّ رُشدٍ وغَيّ، ومُقدِّرُ كلِّ نَشْرٍ وطَيّ، وأيضًا فبالمولى تعالى قيامُ جميع العَبِيد، وعلى قَدْرِه غِناهم وفَقرُهم لأنهُ الفَعّالُ لِما يُريد، وهُو يُيسِّرُهم لليُسرى والعُسرى فمنهم شَقِيٌّ وسَعِيد، وله الغِنَى عن كلِّ شيءٍ واللهُ هو الغنيُّ الحميد.

<<  <  ج: ص:  >  >>