للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكر في "الذّيل والتكملة" بيتي الحريريِّ المشهورَيْن:

سِمْ سِمَةً تحسُنُ آثارُها ... واشكُرْ لمن أعطى ولو سِمسِمَهْ

والمكرُ مهما اسطَعْتَ لا تأتِهِ ... لتقتني السّؤدَد والمَكرُمَهْ

وساق تذييلاتِ الأندلسيّين لهما، ثم ختَم بتذييلِه وقال: "وإلى ذلك فقد ألزَمَني قديما بعضُ من يجبُ عليّ إسعافُه، ولا يَسَعُني خلافُه، مجاراة هؤلاء الجِلّة في هذا المضمار، ولم يُصغ إلى ما أتيْتُ به في ذلك من اعتذار، فقلت ممتثلًا تكليفَه، ومتعرِّضًا بما لا يستجيدُ ناقدٌ تأليفَه:

ملأمةٌ بالحُرِّ أن لا يُرى ... منه ثَأى جيرانَهُ مَلْأَمَةْ

والملءُ مَهْ عن شرِّه إنهُ ... مأتًى إلى الهُجنة والمَلْأَمَةْ

غيرَ أنّي وفَيْتُ فيما رأيت بشرط اشتباه الطرفَيْن في كلا البيتَيْن وإن كان طرفا أوّلهُما مشتركَيْن، وجعلتُ طرفَي الأول نَكِرتَيْن وطرفَي الثاني معرفتَيْن على حدّ ما أتي به الحريريُّ في بيته، وأتيتُ بالجميع مجُنَّسًا كما تراه" (١). ولعلّ هذا الذي لم يسَعْه خلافُه هنا هو والي أغمات المِلْيانيّ، الذي أشار على ابن عبد الملك في مناسبةٍ أخرى أن يشتركَ معَ بعض شعراءِ حاشيتِه في مباراة شعريّة، قال ابنُ عبد الملك: "ثم عَطَفَ (أي: الوالي المذكور) عليّ، وطالَبَني بالموافقة لهم في ذلك ولم يكن رأى لي قبلُ بيتًا واحدًا ولا أشعرتُه بأنّي خُضتُ في نظم قطّ، فاستعفَيْتُه من ذلك فلم يُعفِني وقال: وما الذي يمنَعُك وموادُّ النَّظم كلُّها عندَك عتيدة، فلا وجهَ لاستعفائك ولا بدَّ لك من مشاركةِ الأصحاب فيما خاضوا فيه" (٢).

وقد رأى ابنُ عُفَيْر يُسمِّطُ قصيدةً لأبي حفص الأغماتيّ ويُغفِلُ بيتًا منها، فانبرى لتسميطِه، إظهارًا لقُدرته على النَّظم في مثل هذا الصِّنف من القريض (٣).


(١) الذيل والتكملة ٤/الترجمة ١٢٢.
(٢) المصدر نفسه ٨/الترجمة ٢٣٤.
(٣) المصدر نفسه ٨/الترجمة ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>