للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما انجرَ بسبب ذلك كلِّه إلى إطالة ليست من شأننا، أردنا بذلك التنبيه على عمل ابن الزُّبير في كثير ممّن اشتملَ عليه كتابُه ولنُبيِّن أنّ الإتقانَ له رجال خصَّهم اللهُ بفضيلتِه، نفَعَ اللهُ بهم، وأوجَدَنا بركةَ الاقتداء بهم" (١). هذا رأيُه في عمل ابن الزُّبير وكتابِه "صلة الصِّلة"، وذلك اعتدادُه بنفسه وزهوُه بعمله الذي وجَدْناه يُفصح عنه في مناسباتٍ متعدِّدة.

وأمّا ابنُ فَرتون الفاسيُّ فقد انتقد ابنُ عبد الملك كتابَه "الذّيل" جملةً وتفصيلًا، وقال: إنه "لم يعتبرْ في كتابه تطبيقًا، ولا سلَكَ من ذلك الترتيب طريقًا"، وأنه "أتى بالأسماء كيف اتَّفق له"، وأنه لم يكن يعقِلُ منهجَ مؤلِّفي "الصِّلات" والترتيبَ الذي بنَوْا عليه كتبهم، واعتبر ابنَ الزُّبير "مُصلحَ كتابِه ومكمِّلَه"، ولم يلتمسْ لابن فَرْتون العُذرَ كما التمسَ له تلميذُه ابنُ الزُّبير، وفي "الذَّيل والتكملة" إشاراتٌ متعدِّدة إلى أوهام ابن فَرتون.

وبالجملة، فقد كان ابنُ عبد الملك معنيًّا بتتبُّع الهَنَات وتصيُّد الهَفَوات، ولم يُعفِ من ذلك من اشتُهروا بالضبطِ من الأعلام كالقاضي عِيَاض وابن خَيْر وابن الرُّومية وابن عساكر.

ولكنّ الرجلَ كان -فيما عدا هذا البَأْوَ بتمكُّنه والزهو بتضلُّعه- من أهل التواضُع وخَفْض الجناح، يتبرَّكُ بزيارة قُبور عِباد الله الصّالحين كأبي مَدْيَن الغَوْث وأبي محمد عبد السلام التونُسيِّ في تِلِمسان، وأبي شُعَيْب السارية في أَزْمُور وأبي يعزى وغيرهم، ويسألُ نفْعَ اللهُ بهم كلّما أجرى ذكْرَهم (٢). وأمّا انتقاداتُه التي أشرنا إلى نماذج منها فلم تكنْ صادرةً عن طبيعة مولَعة بنشر المعايب والمآخِذ كما ذهب إلى ذلك بعضُ مُعاصريه، وإنّما هي انتقاداتٌ علميّة قَصدَ فيها إلى تصحيح الأخطاء وتصويبِ الأغلاط، وصدَرَت عن نزوعٍ قويّ إلى الضّبط والتدقيق وولوع شديد بالتنقيح والتحقيق.


(١) الذيل والتكملة ٦/الترجمة ١٢٤١.
(٢) المصدر نفسه ٤/الترجمة ٢٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>