ومن انتقاد ابن عبد الملك على ابن الأبّار، الذي نُحسُّ فيه شيئًا من التعسُّف والتهويل المبالَغ فيه والتحرُّج الذي لا معنى له: قولُه: "وكذلك ذِكْره طائفةً كبيرة ليست من شرطِ كتابِه ولا كتابَي الشّيخَيْنِ: أبي الوليد ابن الفَرَضي وأبي القاسم ابن بَشْكوال؛ لأنهم لم يُرسَموا بفنّ من فنون العلم وإن ذُكروا بصلاح وخيرٍ واجتهاد في العبادة وانقطاع إلى أعمال البِرّ، فلذكرِهم مجموعٌ آخَر يشملُهم مع من كان على مثل أحوالهم. وأقبحُ من هذا كلِّه وأشنع: ذكْرُه نساءً تُنزّهُ الصّحفُ عن تسويدها بذكْرِهنّ فيها معَ أهل العلم الذين هم خواصُّ عباد الله. اللهمّ إلا مَن قصَدَ في تأليفه إلى ذكْرِ أهل البِطالة والمُجّان والقِيَان اللّواتي يكادُ الخوضُ في ذكرِهنّ يكونُ وَصْمة وجَرْحة فيمَن تعرَّض له. نستعيذُ بالله من إعمال القلم في ذكرِ واحدةٍ منهنّ، ونرى الإعراضَ عنه دينًا، وليتَ شعري! إذ ذكَرَ هؤلاء النِّسوةَ اللائي هنّ بهذه الصِّفات، فما بالُه أغفَل أضعافَ أعدادِهنّ من الرّجال الذين هم على مثل حالهنّ؟ إنّها لَعثرةٌ لا تُقال، وزلّةٌ لا تُغتفَر، وسيّئةٌ لا تكفيرَ لها، وكبيرة يجبُ المَتابُ منها والإقلاعُ بتوفيق الله عنها، والله حسبُنا ونعمَ الوكيل"(١).
ولقد عارضنا تراجمَ النساءِ عند ابن عبد الملك بتراجمهنَّ عند ابن الأبّار، فتبيَّن لنا أنّ ابنَ عبد الملك اقتصَر على من ذُكِرْنَ بقراءة أو كتابة أو رواية أو ما يتّصلُ بذلك ممّن هنّ من شَرْط كتابه وكُتُب مَن قبلَه ولم يصنَعْ صنيعَ ابن الأبّار في التعميم، ولكنّ هذا الصَّنيع لا يستحقُّ كلَّ هذا الانتقاد الذي هو في نظرِنا من جموح حِدّته التي وصَفَه بها ابنُ الزُّبير.
وهو يسيءُ الظنَّ باطّلاعه أحيانًا ويشكِّك في وقوفِه على بعض ما يَذكُرُه أو يصفُه في "تكملته"، قال في ترجمة عليّ بن كوثر:"وقد ذَكَرَ أبو عبد الله ابنُ الأبّار مصنّفاتِه فقال: وله تأليفُ ومجموعات منها: "كتابُ الوسيلة لإصابة المعنى