للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وغيرها، فقد اتّهمه بالتعصُّب، لأنه عَدَّ من أهل الأندَلس "جماعةً من الناقلة إليها" أي: من الطارئينَ عليها وغير القاطنينَ في الأصل بها، وقال: إنه فعل ذلك "تشبُّعًا واستكثارًا وإفراطًا في التعصّب الذي كان الغالبَ عليه حتى غلا فيه" (١)، وكانت لدى ابن عبد الملك أمثلةٌ وأدلّة على هذا الاتّهام، واكتفَى في مقدّمة كتابِه بذكْر مثالٍ واحد منها فقال: "ويكفيك من مثل ذلك ما خَتَمَ به رَسْمَ أبي عبد الله بن عيسى ابن المُناصف رحمه الله بعدَ أن ذكَرَه في الأندَلُسيِّين، وذكَرَ من أحواله ما رأى أن يذكُرَه به، فقال: مولدُه بتونُس وقيل: بالمَهْديّة، وهو أصحّ. ثم قال: وذكْرُهُ في الغُرباء لا يَصلُح ضَنانةً بعلمه على العُدوة. وحسبُك ما اشتمل عليه هذا القولُ من الشهادة على قائله بما لا يَليقُ بأهل الإنصاف من العلماء، واستحكام الحسَد المذموم واحتقار طائفة كبيرة من الجِلّة العُدْويِّين، وفضلُ الله سبحانه رحمةٌ يختصُّ بها من يشاء، وموهبةٌ يُنيلُها من يختار. والله ذو الفضل العظيم" (٢). وعندما ترجَم لابن المُناصِف المذكور في السِّفر الثامن معَ الغرباء، عاد إلى انتقاد ابن الأبّار فقال: "وقبَّح اللهُ الحسَدَ المذموم، فقد حمَل أبا عبد الله ابن الأبّار على ذكْرِه إيّاه في الأندلسيين تشبُّعًا لها ببعض ما ذكَرْناه به". وحِدّة ابن عبد الملك واضحةٌ هنا في انتقادِه ابنَ الأبّار ووَصْفِه بالتعصُّب المُفرِط والحسَد المستحكِم.

ومن الغريب سكوتُه عن ابن سَعِيد الذي عَدَّ ابنَ المُناصِف وأخوَيْه في القُرطُبيِّين الأندَلسيِّين، وعَدمُ تعرّضه للشقنديِّ الذي اعتبر أبا حَفْص الأغماتي الفاسيَّ من حسَنات الأندَلس وفاخَرَ به أهلَ العُدوة.

ويبدو أنّ عبارةَ ابن الأبّار التي يُفهَم منها احتقارُ العُدوة وأهلها هي التي أغضبت ابنَ عبد الملك وأنطقَتْه بما نطق به، وإلّا فقد وجدناه في مناسباتٍ


(١) الذيل والتكملة ١/ ٢٠٦.
(٢) المصدر نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>