وفيه معنى آخر: وهو أن يكون قد دل بهذا القول على أن حكم من شاهد البيت وعاينه خلاف حكم الغائب عنه فيما يلزمه من مواجهته عيانا دون الاقتصار على التآخي [التأخِّي] لمصادفته استدلالا واجتهادا، فيلزم المعاين للبيت أن لا يقتصر على النية في التوجه إليها فعلَ الغائب عنها دون أن يدركه حسا ويثبته نظرا، كما كان الواحد ممن أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم وشاهد حضرته يلزمه النظر إليه حتى يثبت عينه، فيكون إيمانه به عن حس وعيان وإحاطة علم وإتقان، ولا يقتصر من ذلك على معرفة الاسم والصفة، كما يكتفي به الغائب عنه، وذلك فائدة قوله (هذه القبلة) وإن كانوا قد عرفوها قديما وأحاطوا بها معرفة وعلما.
وقد قال على هذا المعنى أصحاب الشافعي رحمه الله: لو دخل رجل المسجد الحرام في ليلة مظلمة لا يتبين فيها الأشخاص لم يكن له أن يصلي حتى يستبين شخص الكعبة؛ لأن شاهد فلا يجوز له الصلاة بالاستدلال.
فأما قول ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل في الكعبة فقد ثبت من رواية بلال، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخله معه الكعبة أنه صلى فيها، وقول المثبت أولى من قول النافي.