ثم إن في هذه الكلمة وهى الأمر بالاستقامة في قوله:(فاستقم) دلالة على وجوب انتهاج الصراط المستقيم، الذي هو مطلب العبد، ومبتغاه الأسمى؛ للوصول إلى رضوان الله تعالى، وعليه فإن أي انحراف عن النهج السوى في امتثال شرع الله تعالى، يعد مسلكًا عوجًا ينأى بصاحبه عن سلوك الصراط المستقيم؛ ليوقعه في متاهات الهوى، فليس الأمر بالاستقامة على ما يشاؤه العبد، وإنما هو أمر اختص بما تصح به وجهته، أنه أمر بالاستقامة كما أمر المولى تعالى، لذلك أتى التحذير بعده من اتباع الهوى، حيث قال:{وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ}، وهنا يأتى الأمر مرة أخرى بالاعتدال، وأخذ الحيطة في رسوخ القدم على الصراط المستقيم، فليس ثمة طريق للنجاة سواه، إنه التحذير من الطغيان؛ وهو مجاوزة الحد بعد النهى عن التفريط والإهمال، هكذا حتى يتم الثبات على الاستقامة المطلوبة، بلا إفراط أو تفريط.
وكلما تحققت مقومات الاستقامة من الإتيان بالعمل الصالح الناجم عن التصور السليم، المنبعث من صدق النية وصفاء الإرادة؛ كلما أتت ثمارها بإذن ربها، فتحقق بتحققها مقام الولاية الذي تعلقت به آمال الكثير، وأنيط به مقام الأمن والسعادة: ركنا النجاة ومقوماتها الأساسية، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}[فصلت: ٣٠].
ومن هذا المنطلق أتى فهم السلف الصالح لحقيقة الولاية الشرعية، إن الولاية عند أهل السنة والجماعة؛ تعنى ثمرة الالتزام بطاعة الله تعالى وحسن التوجه له ظاهرًا وباطنًا، هكذا دون تشدق بالألفاظ المنمقة، التي ليس لها مستند من الشرع المطهر، قال تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: ٦٢، ٦٣].
فالإيمان والتقوى قرينان يستلزم أحدهما الآخر، وهذا في الآية الكريمة من باب بيان الصفات التي تتأتى بها الولاية الموجبة للأمن في الدارين، أمن يورثه تحقق معية المولى في الدنيا بالنصرة والمحبة، وأمن يوم الفزع الأكبر، يوم تتلقاهم الملائكة بالتبشير.