للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأنه - عليه الصلاة والسلام - لا يعلم منها إلا ما كشف له، ومع هذا فلا يعد عالمًا بها على جهة التمام، فمن اعتقد أن النبي يعلم وقت الساعة فقد كفر، ومن اعتقد أنه - عليه الصلاة والسلام - يعلم ما تكسب كل نفس فقد كفر لأنه خالف ما هو معلوم بالضرورة من دين الإسلام، قال تعالى آمرًا نبيه: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ} [الأنعام: ٥٠].

وبهذا يعلم أن ما ذكره الصاوي من كونه - صلى الله عليه وسلم - لم يخرج من الدنيا حتى علم مغيبات الدنيا والآخرة؛ مما لا مستند له في الشرع؛ بل الأدلة تضافرت على إثبات خلافه، أما ما خرج به قوله - صلى الله عليه وسلم -: {لَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ}؛ بأنه على سبيل التواضع، أو العلم الذي لا أثر له في القدر؛ فغير مسلم، لأن الآية قد اشتملت على أمر متضمن لخبر، والخبر لا يصح فيه النسخ، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد دل قوله تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل: ٦٥]؛ على أن غيب الدنيا والآخرة مما اختص المولى تعالى بالإحاطة به، فلا يكون لغيره أبدًا، فكيف يصح نسبته لمن أمر بتبليغ هذا الخبر إلى الناس كافة؟

والذي نخلص إليه أن كل هذه التخريجات؛ هي من قبيل المغالطات التي لا أساس لها من الصحة، لذا فإن اعتقاد ما قصد بها يعد قدحًا في جناب التوحيد؛ لأن فيها نسبة الكمال الذي لا ينبغى إلا لله تعالى لأحد من البشر.

ثانيًا: مرتبة الكتابة؛ وتعنى أن الله تعالى قد كتب مقادير المخلوقات، وأصل الكتابة ما كتب في اللوح المحفوظ، قال تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام: ٣٨].

ومن السنة قول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء) (١).


(١) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب القدر - باب حجاج آدم موسى: (١٦/ ٢٠٣).

<<  <   >  >>