للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالتوحيد - كما فهمه الأشاعرة - وأن هذا كافٍ في نيل ما وعد به المتقون من الأمن التام، وتحقق السعادة في الدارين.

إن حقيقة ما ذهب إليه الصاوي في هذا الجانب غلو في باب الوعد لا يقره مستبصر بأقوال السلف وفهمهم لحقيقة التقوى التي استفاضت الأدلة بالأمر بالتمسك بها وتعليق النجاة على تحقيقها.

قال عبد الله بن مسعود الصحابى الجليل - رضى الله عنه - في معنى التقوى: "أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر". (١)

وقال الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز: "تقوى الله: ترك ما حرم الله، وأداء ما افترض الله، فمن رزق بعد ذلك خيرًا، فهو خير إلى خير".

وقال الصحابى الجليل معاذ بن جبل - رضى الله عنه -: المتقون هم قوم اتقوا الشرك وعبادة الأوثان، وأخلصوا لله بالعبادة. (٢)

وقد أفاض الإمام ابن رجب في عرضه لأقوال السلف في تعريفها، وبيان المراد منها، وبناء على ما اشتملت عليه تلك الأقوال من نكت مهمة ومعانٍ عظيمة يمكن الخلوص إلى ما مفاده: أن التقوى منها الكاملة، ومنها الواجبة، ومنها ما هو أصل في الدين فلا يتأتى القبول إلا بتحققه.

فالكاملة هي التي تعنى بلوغ مرتبة الإحسان، فاجتناب المعاصى والمكروهات وفعل الواجبات والمستحبات هو السبيل إلى الاتصاف بها، وهذا كتفسير ابن مسعود وتفسير علي - رضي الله عنهما - لها وغيرهما من كبار الصحابة والتابعين وهذه هي التي يتحقق الفوز الكامل والنجاة في الدارين على الأتيان بها، وبها تنال ولاية الله تعالى التامة التي تستوجب تمام رضاه عن العبد فينتفى عنه الخوف والحزن في الدارين، قال تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: ٦٢].


(١) أخرجه الحاكم في مستدركه: كتاب التفسير - باب تفسير سورة آل عمران، وقال حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي: (٢/ ٢٩٤).
(٢) جامع العلوم والحكم لابن رجب: (١/ ٤٠٠).

<<  <   >  >>