ما يَرَون في تلك الرُّؤى التي تُرنِّحهم؟ أَيَرَون فيها جَنَّة مُحَمَّد التي تشتمل على غاباتٍ من الياقوت، وجبال من العنبر، وقصورٍ من الألماس، وخيام من اللؤلؤ؟ لا ريب في أنهم، في تلك الرؤى، يُقبِّلون بمباسمهم العَطِرَة، الحورَ العين البيض والخضر والحمر، ويشاهدون نور لله الساطع الذي يُعْشِي الأبصار فتبدو الشمس بجانبه مظلمة، ويشاهدون الأرض، التي يُمسكونها بطرف أباهمهم، تُطوى كورقة دفترٍ ملقاةٍ في كانون، ويتمايلون بهُيَام في صُورَتي لله، أي في الخلود، وفيما لا حدَّ له.
ومتى خرج الدراويش الدَّوَّارون من وَلَهِهم وقفوا وركعوا وخرجوا من القاعة.
ولم أشاهد أذكار الدراويش الصَّخَّابين، ولكني أرى، مما وُصِفوا به، أنهم يدخلون في حال من التنويم كالحال التي يكون عليها الدراويش الدَّوَّارون بفعل الرقص والموسيقا، وذلك أنهم يَصِلون إلى درجةٍ من عدم الإحساس ما يَقْدِرون أن يَثْقُبوا به أعضاءهم بآلات مُذَرَّبة من غير أن يشعروا بشيء كما يفعل العيساوية.
[(٢ - ٢) المباني الدينية]
المساجد والزوايا والمدارس ... إلخ.
المسجد: مركز الحياة الحقيقي عند العرب؛ فالعرب يتخذون المسجد محلاً للاجتماع والعبادة والتعليم، والسكن عند الاقتضاء، لا لعبادة لله فقط كبِيَعِ النصارى.
وقد أوضحنا في فصلٍ سابق رسمَ المساجد العامِّ، فذكرنا أن المساجد القديمة بُنيت على نمطٍ واحد، أي أنها مؤلفة من ساحات قائمة الزوايا محاطةٍ بأروِقَة، وأن الصلاة تُقام في أوسع تلك الأروقة، وتجد في وسط كلِّ ساحةٍ حوضاً للوضوء، وتجد في مكان الصلاة محراباً في الحائط متَّجِهاً نحو مكة، ومنبراً للوعظ، وقِمَطرا يُفتَح عليه المصحف عند القيام بالأعمال الدينية، ومصابيح كثيرةً معلقة بالسقف، وتجد الحُصر والبُسُط كلَّ ما فيه من أثاث.
وتوجد بجانب مكان الصلاة، في الغالب، حجرة تَضُم ضريح مؤسس المسجد.
وتقوم على أركان المساجد مآذن؛ ليدْعَى المؤمنون من فوقها إلى الصلاة.
ومن توابع المساجد، على العموم: حماماتٌ وفنادق وأصابل ومشافٍ ومدارس، وهكذا يتجلى اختلاط الحياة المدنية بالحياة الدينية عند المسلمين في مساجدهم.