للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موعظة ذَرَفَت منها العيون، ووَجِلَت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله إن هذه لموعظة مودع فما تعهد إلينا؟ فقال:

"قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عَضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم والأمور المحدثات، فإن كل بدعة ضلالة، وعليكم بالطاعة، وإن عبدًا حبشيًا، فإنما المؤمن كالْجَمَل الأَنِفِ حيثما قيد انقاد". وأخرجه الترمذي بمعناه، وصححه.

ورَوى أبو داود قال: حدثنا ابن كثير قال: أخبرنا سفيان، قال: كتب رجلٌ إلى عمر بن عبد العزيز، يسأله عن القدر، فكتب إليه: "أما بعد: فإني أوصيك بتقوى الله، والاقتصاد في أمره، واتباع سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وترك ما أحدث الْمُحْدِثون بعدَ ما جرت به سنته، وكُفُوا مُؤْنته، فعليك بلزوم الجماعة، فإنها لك -بإذن الله- عِصْمَة، ثم اعلم أنه لم يبتدع الناس بدعةً إلا قد مضى قبلها ما هو دليلٌ عليها، أو عبرةٌ فيها، فإن السنة إنما سَنَّها من قد علم ما في خلافها من الخطإ والزَّلَلِ، والْحُمْق والتعمّق، فارضَ لنفسك ما رَضِي به القوم لأنفسهم، فإنهم على علم وَقَفُوا، وببصر نافذ كَفُّوا، وإنهم على كشف الأمور كانوا أقوى، وبفضل ما كانوا فيه أَوْلَى، فإن كان الهدى ما أنتم عليه، فقد سبقتموهم إليه، ولئن قلتم؛ إنما حَدَثَ بعدَهم، فما أحدثه إلا مَن اتّبع غير سبيلهم، ورَغِبَ بنفسه عنهم، فإنهم هم السابقون، قد تكلموا فيه بما يَكفِي، ووَصَفُوا ما يَشفِي، فما دونهم من مَقْصَر، وما فوقهم من مَحْسَر، وقد قَصَّر قوم دونهم فجَفَوا، وطَمَحَ عنهم أقوام فَغَلَوْا، وإنهم مع ذلك لَعَلَى هُدًى مستقيم، كتبت تسأل عن الإقرار بالقدر، فعلى الخبير -بإذن الله- وقعتَ، ما أعلم ما أحدث الناس من مُحدَثة، ولا ابتدعوا من بدعة، هي أبين أثرًا، ولا أثبت أمراً، من الإقرار بالقدر، لقد كان ذكره في الجاهلية الْجُهَلاء، يتكلمون به في كلامهم، وفي شِعْرهم، يُعَزُّون به أنفسهم على ما فاتهم، ثم لم يَزِده الإسلام بعدُ إلا شِدَّةً، ولقد ذكره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غير حديث ولا حديثين، وقد سمعه