للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

منه المسلمون، فتكلموا به في حياته، وبعد وفاته، يقينًا وتسليمًا لربهم، وتضعيفًا لأنفسهم أن يكون شيء لم يُحِط به علمه، ولم يُحصِه كتابه، ولم يَمضِ فيه قَدَرُه، وإنه مع ذلك لفي محكم كتابه، منه اقتبسوه، ومنه تعلموه، ولئن قلتم: لِمَ أَنزل الله آية كذا؟ لم قال كذا؟ لقد قرءوا منه مما قرأتم، وعَلِمُوا من تأويله ما جهلتم، وقالوا بعد ذلك كله بكتاب وقدر، وكُتِبت الشقاوة، وما يُقدَّر يكن، وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولا نملك لأنفسنا ضراً ولا نفعاً، ثم رَغِبوا بعد ذلك ورهبوا") (١).

وقال سهل بن عبد الله التستريّ: عليكم بالاقتداء بالأثر والسنة، فإني أخاف أنه سيأتي عن قليلٍ زمانٌ إذا ذَكَر إنسانٌ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- والاقتداء به في جميع أحواله ذَمُّوه، ونَفَرُوا عنه، وتبرءوا منه، وأَذَلّوه، وأهانوه، قال سهل: إنما ظهرت البدعة على أيدي أهل السنة؛ لأنهم ظاهروهم، وقاولوهم، فظهرت أقاويلهم، وفَشَت في العامة، فسمعه من لم يكن يسمعه) (٢)، فلو تركوهم، ولم يكلموهم لَمَات كل واحد منهم على ما في صدره، ولم يَظهَر منه شيء، وحمله معه إلى قبره. وقال سهل: لا يُحدِث أحدكم بدعة حتى يُحدث له إبليس عبادةً، فيتعبد بها، ثم يُحدث له بدعة، فإذا نطق بالبدعة، ودعا الناس إليها نُزع منه تلك الخدمة. قال سهل: لا أعلم حديثًا جاء في المبتدعة أشدّ من هذا الحديث: "حجب الله الجنة عن صاحب البدعة") (٣)، قال: فاليهودي والنصراني أرجى منهم. قال سهل: من أراد أن يُكرِم دينه، فلا يدخل على السلطان، ولا يَخلُوَنَّ بالنسوان، ولا يخاصمنّ أهل الأهواء. وقال أيضا: اتّبِعوا ولا تبتدعوا، فقد كُفيتم. وفي "مسند الدارمي" أن أبا موسى الأشعري جاء إلى عبد الله بن مسعود، فقال: يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد آنفًا شيئًا أنكرته، ولم أر -والحمد لله- إلا خيرًا، قال: فما هو؟ قال: إن عشت فستراه، قال: رأيت


(١) صحيح، أخرجه أبو داود في "سننه" ٤/ ٢٠٢ - ٢٠٣ رقم ٤٦١٢.
(٢) هكذا النسخة، ولعلّ الأولى: فسمعها من لم يكن يسمعها، والله تعالى أعلم.
(٣) حديث صحيح، أخرجه الطبراني في "الأوسط" بلفظ: "إن الله حجب التوبة عن كلّ صاحب بدعة حتى يَدَع بدعته".