للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فهذه أمورٌ جائزة، أو مندوب إليها، ولكنهم كرهوا فعلها خوفًا من البدعة؛ لأن اتخاذها سنةً إنما هو بأن يواظب الناس عليها مظهرين لها، وهذا شأن السنة، وإذا جرت مجرى السنن صارت من البدع بلا شكّ.

قال الجامع عفا الله تعالى: هذا الذي قاله الشاطبيّ فيه نظرٌ لا يخفى؛ لأنه إن أراد أن ترك السنة مخافة أن يعتقد الجاهل أنها من الفرائض فهذا مما لا معنى له؛ لأن السنة لا تُترك لمثل هذا الخوف، بل الواجب أن يُبيّن للجاهل ما هو الفرض، وما هي السنة، ولا أظنّه يُثبت النقل بذلك عن أحد من السلف أنهم تركوا السنن لأجل هذا الخوف.

وإن أراد بتركها ترك فعل بصفة خاصّة، لم تثبت في السنة، فهذا أمر مسلمٌ، ولكن سياق كلامه يأبى هذا التأويل.

وبالجملة فلا تترك السنة على الوجه الذي ثبتت به لأجل مثل هذا الخوف، بل ينبه الجاهل، ويبيّن له ذلك. والله تعالى أعلم.

قال: ومن البِدَع الإضافيّة التي تَقْرُب من الحقيقيّة أن يكون أصل العبادة مشروعًا إلا أنها تخرج عن أصل مشروعيّتها بغير دليل توهمًا أنها باقية على أصلها تحت مقتضى الدليل، وذلك بأن يقيّد إطلاقها بالرأي، أو يُطلق تقييدها، وبالجملة فتخرج عن حدّها الذي حُدّ لها.

ومثال ذلك أن يقال: إن الصوم في الجملة مندوب إليه لم يخصّه الشارع بوقت دون وقت، ولا حد فيه زمانًا دون زمان، ما عدا ما نهى عن صيامه على الخصوص كالعيدين، أو ندب إليه على الخصوص كعرفة وعاشوراء بقول، فإذا خصّ منه يومًا من الجمعة بعينه، أو أيامًا من الشهر بأعيانها، لا من جهة ما عيّنه الشارع، فلا شكّ أنه رأي محض بغير دليل، ضاهى به تخصيص الشارع أيامًا بأعيانها دون غيرها، فصار التخصيص من المكلّف بدعةً؛ إذ هي تشريع بغير مستند.

ومن ذلك تخصيص الأيام الفاضلة بأنواع من العبادات التي لم تُشرع لها تخصيصاً، كتخصيص اليوم الفلانيّ بكذا وكذا من الركعات، أو بصدقة كذا وكذا، أو الليلة الفلانيّة بقيام كذا وكذا ركعةً، أو بختم القرآن فيها، أو ما أشبه