للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

بل إذا أظهره لم يظهره على حكم الملتزمات من السنن الرواتب والفرائض اللوازم، فهذا صحيحٌ لا إشكال فيه، وأصله ندب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لإخفاء النوافل، والعمل بها في البيوت، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة"، متّفقٌ عليه، فاقتصر في الإظهار على المكتوبات كما ترى، وإن كان ذلك في مسجده -صلى الله عليه وسلم-، أو في المسجد الحرام، أو في مسجد بيت المقدس، حتى قالوا: إن النافلة في البيت أفضل منها في أحد هذه المساجد الثلاثة بما اقتضاه ظاهر هذا الحديث، وجرى مجرى الفرائض في الإظهار بعض السنن؛ كالعيدين، والخسوف، والاستسقاء، وشبه ذلك، فبقي ما سوى ذلك حكمه الإخفاء، فإذا اجتمع في النافلة أن تُلْزَم التزام السنة الرواتب إما دائمًا، وإما في أوقات محدودة، وعلى وجه محدود، وأُقيمت في الجماعة في المساجد التي تقام فيها الفرائض، أو المواضع التي تقام فيها السنن الرواتب، فذلك ابتداع.

والدليل عليه أنه لم يأت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أصحابه، ولا عن التابعين لهم بإحسان فعلُ هذا المجموع هكذا مجموعًا، وإن أتى مطلقًا، من غير تلك التقييدات، فالتقييد في المطلقات التي لم يثبت بدليل الشرع تقييدها رأي في التشريع، فكيف إذا عارضه الدليل، وهو الأمر بإخفاء النوافل مثلًا؟.

ووجه دخول الابتداع هنا أن كلّ ما واظب عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من النوافل وأظهره في الجماعات فهو سنة، فالعمل بالنافلة التي ليست بسنّة على طريق العمل بالسنّة إخراج للنافلة عن مكانها المخصوص بها شرعًا، ثم يلزم من ذلك اعتقاد العوامّ فيها، ومن لا علم عنده أنها سنّة، وهذا فساد عظيم؛ لأن اعتقاد ما ليس بسنة، والعمل بها على حدّ العمل بالسنّة نحوٌ من تبديل الشريعة، كما لو اعتقد في الفرض أنه ليس بفرض، أو فيما ليس بفرض أنه فرضٌ، ثم عمل على وفق اعتقاده، فإنه فاسدٌ، فهب العملُ في الأصل صحيحًا، فإخراجه عن بابه اعتقادًا وعملًا من باب إفساد الأحكام الشرعيّة، ومن هنا ظهر عذر السلف الصالح في تركهم سننًا لئلا يعتقد الجاهل أنها من الفرائض.