للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فالمعصية في أصل وقوعها من حيث العمل والاعتقاد تختلف عن البدعة من جهة ما يقترن بكل منهما، فالعاصي لا يعتقد أنه بمعصيته يُرضي الله، بخلاف المبتدع، فإنه يعتقد في عمله المحدَث القربةَ إلى الله تعالى، وهذا هو وجه المفارقة.

ووجه آخر هو ما تؤول إليه البدعة من مفاسد حاليّة ومآليّة في الدنيا والآخرة، وذلك باعتقاد المشروعيّة أو الجواز فيما ليس له أصل، وما يترتّب على هذا الاعتقاد من شيوع وانتشار، حتى ينشأ عليها الصغير، ويموت عليها الكبير، بخلاف المعصية، أو المخالفة.

وهذا هو معنى ما قاله سفيان الثوريّ رحمه الله: البدعة أحبّ إلى إبليس من المعصية، فإن المعصية يُتاب منها، والبدعة لا يُتاب منها) (١).

والسبب في عدم توبة المبتدع أنه يرجو بعمله، أو قوله، أو اعتقاده المحدث القرب من الله، فلا ينفكّ من ملازمة هذا العمل.

وبسبب كون البدع أشرّ من المعاصي، وأهلها أضرّ من أهل الذنوب أمر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بقتال الخوارج، ونهى عن قتال الولاة الظلمة) (٢).

ومما جاء عن السلف في اعتبار أن البدعة أشدّ ضررًا من المعاصي ما رواه ابن وضّاح بسنده عن أبي بكر بن عيّاش، قال: كان عندنا فتًى يقاتل، ويشرب، وذَكَر أشياءَ من الفسق، ثم إنه تقرّأ فدخل في التشيّع، فسمعت حبيب بن أبي ثابت، وهو يقول: لأنت يوم كنتَ تقاتل وتفعل وتفعل خيرٌ منك اليوم.

وقَصْدُ القربة يراد به إلحاق حكم شرعيّ بعمل محدَث؛ كالندب والاستحباب والإيجاب، أو الكراهة والتحريم، قال شيخ الإسلام رحمه الله: فمن ندب إلى شيء يتقرّب به إلى الله، أوأوجبه بقوله، أو فعله، من غير أن يشرعه الله فقد شرع ما لم يأذن به الله) (٣).

وقصد القربة يتوجّه إلى العمل الذي لا يتصوّر فيه غير إرادة القربة


(١) رواه أبو نعيم في "الحلية" ٢٦/ ٧.
(٢) انظر: "مجموع الفتاوى" ٧/ ٢٨٤.
(٣) "مجموع الفتاوى" ٣/ ١٩٥.