تخليدهم في النار، أو في تفسيق خواص هذه الأمة، أو عَكَسَ ذلك، فزعم أن المعاصي لا تضر أهلها، وأنه لا يدخل النار من أهل التوحيد أحد.
وأصعب من ذلك ما أُحدث من الكلام في أفعال الله تعالى في قضائه وقدره، فكَذّب بذلك من كَذَّب، وزَعَم أنه نزه الله بذلك عن الظلم.
وأصعب من ذلك ما حَدَث من الكلام في ذات الله وصفاته، مما سكت عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-، والصحابة والتابعون لهم بإحسان، فقومٌ نَفَوا كثيرًا مما وَرَد في الكتاب والسنة من ذلك، وزَعَموا أنهم فعلوا تنزيهًا لله عما تقتضي العقول تنزيهه عنه، وزعموا أن لازم ذلك مستحيل على الله عز وجل. وقوم لم يكتفوا بإثباته، حتى أثبتوا ما يُظَنّ أنه لازم له بالنسبة إلى المخلوقين، وهذه اللوازم نفياً وإثباتاً دَرَجَ صدرُ الأمة على السكوت عنها.
ومما حَدَث في الأمة بعد عصر الصحابة والتابعين الكلامُ في الحلال والحرام بمجرد الرأي، ورَدُّ كثير مما وردت به السنة في ذلك؛ لمخالفته الرأي، والأقيسة العقلية.
ومما حَدَث بعد ذلك الكلام في الحقيقة بالذَّوْق والكشف، وزَعْمُ أن الحقيقة تنافي الشريعة، وأن المعرفة وحدها تكفي مع المحبة، وأنه لا حاجة إلى الأعمال، وأنها حجاب، أو أن الشريعة إنما يَحتاج إليها العوائمُ، وربما انضم إلى ذلك الكلام في الذات والصفات بما يُعلَمُ قطعًا مخالفته للكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. انتهى) (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا البحث الذي حقّقه الإمام ابن رجب رحمه الله في كتابه النفيس "جامع العلوم والحكم" بحث نفيش، وتحقيق أنيس، فعليك بمطالعته، وتدبّره، حتى ينجلي لك الفرق بين البدعة الشرعية المذمومة بكل أشكالها وألوانها التي عناها النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بقوله:"فكل بدعة ضلالة"، وبين البدعة اللغويّة التي يُستحسَن بعض أفرادها، وهي التي تستند إلى أصل من الكتاب والسنة، أو إجماع الأمة.