للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

المحمودة فما وافق السنة يعني: ما كان لها أصل من السنة تَرجِع إليه، وإنما هي بدعة لغة لا شرعًا؛ لموافقتها السنة. وقد رُوي عن الشافعي كلام آخر يُفَسِّر هذا، وأنه قال: المحدثات ضربان: ما أُحدث مما يخالف كتابًا، أو سنة، أو أثرًا، أو إجماعًا، فهذه البدعة الضلالة، وما أُحدث فيه من الخير، لا خِلاف فيه لواحد من هذا، فهذه مُحْدَثة غير مذمومة.

وكثير من الأمور التي أُحدثت، ولم يكن (١) قد اختَلَف العلماء في أنها هل هي بدعة حسنة حتى (٢) ترجع إلى السنة أم لا؛.

(فمنها): كتابة الحديث، نَهَى عنه عمر، وطائفة من الصحابة -رضي الله عنهم-، وَرَخَّص فيها الأكثرون، واستدلوا له بأحاديث من السنة.

(ومنها): كتابة تفسير الحديث والقرآن، كَرِهه قوم من العلماء، ورخص فيه كثير منهم، وكذلك اختلافهم في كتابة الرأي في الحلال والحرام ونحوه، وفي توسعة الكلام في المعاملات، وأعمال القلوب التي لم تُنقَل عن الصحابة والتابعين، وكان الإمام أحمد يَكرَه أكثر ذلك.

وفي هذه الأزمان التي بَعُدَ العهد فيها بعلوم السلف يَتَعَيَّن ضبط ما نُقِل عنهم من ذلك كله؛ ليتميز به ما كان من العلم موجودًا في زمانهم، وما أُحدِث في ذلك بعدهم، فيُعلمَ بذلك السنة من البدعة.

وقد صَحَّ عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: إنكم قد أصبحتم اليوم على الفطرة، وإنكم ستُحدِثون، ويُحدَث لكم، فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالعهد الأول. وابن مسعود -رضي الله عنه- قال هذا في زمن الخلفاء الراشدين.

وروى ابنُ مَهديّ عن مالك قال: لم يكن شيء من هذه الأهواء في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأبي بكر وعمر وعثمان، وكان مالك يُشير بالأهواء إلى ما حدث من التفرق في أصول الديانات، من أمور الخوارج، والروافض، والمرجئة ونحوهم، ممن تَكَلَّم في تكفير المسلمين، واستباحة دمائهم وأموالهم، أو في


(١) هكذا نسخة "جامع العلوم والحكم": "ولم يكن"، ولعل المعنى: "ولم يكن موجودًا"، والله تعالى أعلم.
(٢) هكذا نسخة "جامع العلوم"، ولعل الأَولى: "حيث"، والله أعلم.