للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

واحتَجَّ أصحاب القول الأول بحديث جابر -رضي اللَّه عنه- عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعةً"، قالوا: والساعات المعهودة هي الساعات التي هي ثنتا عشرة ساعةً، وهي نوعان: ساعات تعديلية، وساعات زمانية، قالوا: ويدلّ على هذا القول أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إنما بَلَغَ بالساعات إلى ستّ، ولم يزد عليها، ولو كانت الساعة أجزاء صغارًا من الساعة التي تُفْعَل فيها الجمعة لم تنحصر في ستة أجزاء، بخلاف ما إذا كان المراد بها الساعات المعهودة، فإن الساعة السادسة متى خرجت، ودخلت السابعة، خرج الإمام، وطُوِيَت الصحف، ولم يكتب لأحد قربان بعد ذلك، كما جاء مصرَّحًا به في "سنن أبي داود" من حديث عليّ -رضي اللَّه عنه-، عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا كان يوم الجمعة غَدَت الشياطين براياتها إلى الأسواق، فيَرْمُون الناس بالتَّرَابيث، أو الربائث (١)، ويثبطونهم عن الجمعة، وتغدو الملائكة، فتجلس على أبواب المساجد، فيكتبون الرجل من ساعة، والرجل من ساعتين، حتى يخرج الإمام" (٢).

قال أبو عمر بن عبد البر: اختلف أهل العلم في تلك الساعات، فقالت طائفة منهم: أراد الساعات من طلوع الشمس وصفائها، والأفضل عندهم التبكير في ذلك الوقت إلى الجمعة، وهو قول الثوريّ، وأبي حنيفة، والشافعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وأكثر العلماء، بل كلهم يَستحب البكور إليها، قال الشافعيُّ: ولو بكّر إليها بعد الفجر، وقبل طلوع الشمس كان حسنًا، وذكر الأثرم قال: قيل لأحمد بن حنبل: كان مالك بن أنس يقول: لا ينبغي التهجير يوم الجمعة باكرًا، فقال: هذا خلاف حديث النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقال: سبحان اللَّه إلى أيّ شيء ذَهَبَ في هذا، والنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "كالمهدي جَزُورًا".

قال: وأما مالك فذكر يحيى بن عمر، عن حرملة أنه سأل ابن وهب عن تفسير هذه الساعات، أهو الغُدُوّ من أول ساعات النهار، أو إنما أراد بهذا


(١) يرمونهم بالترابيث: أي يذكّرونهم الحاجات؛ ليربّثوهم بها عن الجمعة، يقال: ربثته عن الأمر: إذا حبسته وثبطته، والربائث: جمع ربيثة، وهي الأمر الذي يحبس الإنسان عن مهامه.
(٢) حديث ضعيف؛ لجهالة التابعيّ الراوي عن عليّ -رضي اللَّه عنه-.