للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وهو منصوب على التمييز، أي فجرى وسال عَرَقي من جميع بدني، وهذا أبلغ من فاض عَرَقي؛ لأن الأول إشارة إلى أن العرَقَ فاض منه حتى كأن النفْسَ فاضت منه، ومثله قول القائل: سالت عيني دمعًا (١).

(وَكَأَنَّمَا أَنْظُرُ إِلَى اللَّهِ عزَّ وجلَّ فَرَقًا) بفتحتين: أي خوفًا، يقال: فَرَق فَرَقًا، من باب تَعِبَ: خاف، ويتعدّى بالهمزة، فيقال: أفرقته (٢).

قيل: هو منصوب على التمييز أيضًا، قال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: والظاهر أن يكون مفعولًا له، أو حالًا؛ لأنه لا يجوز أن يقال: نظر في فرَقي. انتهى (٣).

وقال التوربشتيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الفرق بالتحريك: الخوف، أي أصابني من خشية اللَّه تعالى والهيبة فيما قد غشيني ما أوقفني موقف الناظر إلى اللَّه تعالى؛ إجلالًا وحياءً.

وقال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: كان أُبيّ -رضي اللَّه عنه- من أكابر الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، ومن الموقنين، وكان طَرَيان ذلك التكذيب بسبب الاختلاف نزغةً من الشيطان، فلما أصاب بركة يده -صلى اللَّه عليه وسلم- بضربه على صدره زالت تلك الهاجسة إلى الخارج مع الْعَرَق، فرجع الشكّ المسبوق بعلم اليقين إلى عين اليقين، فنظر إلى اللَّه تعالى خوفًا وخجلًا مما غشيه من الشيطان. انتهى (٤).

(فَقَالَ لِي) -صلى اللَّه عليه وسلم- تسكينًا وتثبيتًا ("يَا أُبَيُّ أُرْسِلَ إِلَيَّ) بالبناء للمفعول، أي أرسل اللَّه تعالى جبريل إليّ، وفي رواية لأحمد: "إن ربي تبارك وتعالى أرسل إليّ" (أَنِ اقْرَأِ الْقُرْآنَ) بلفظ الأمر، أو المتكلّم المعلوم، قال الطيبيّ: "أن" مفسّرة، وجُوّز كونها مصدريّةً على مذهب سيبويه، وإن كانت داخلة على الأمر (عَلَى حَرْفٍ) تقدّم البحث في معنى الحرف مستوفًى في شرح حديث عمر -رضي اللَّه عنه- أول الباب (فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ) أي إلى اللَّه تعالى بواسطة جبريل عليه السلام (أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي) بصيغة الأمر، أي سَهِّل ويسّر عليهم، وفي بعض النسخ: "أن يُهوّن" بصيغة المضارع.

قال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "أن" يجوز أن تكون مفسّرةً؛ لما في "رددتُ" من معنى


(١) راجع: "المرعاة" ٧/ ٣٠٩.
(٢) "المصباح" ٢/ ٤٧١.
(٣) راجع: "الكاشف" ٥/ ١٦٩٥.
(٤) "الكاشف" ٥/ ١٦٩٥.