للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

قال الجامع عفا اللَّه عنه: إن ما قاله القاري من حمل معنى الحديث على معنى الآية، وأنه أراد الندم هنا مما لا يخفى بعده؛ إذ سياق الحديث بخلافه، فالحقّ أنه أراد به الإخبار عما وقع في نفسه من التكذيب، لا الإخبار عن ندمه، كما هو في الآية، وقد تقدّم عن القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ- أنه ضبطه بالبناء للمفعول، وفسّره بمعنى تحيّر في أمره، وكذلك قيل هذا المعنى في الآية أيضًا، فهذا معنى صحيح، لا يخالف تفسيره بأنه أصابته وسوسة، ودهشة، كما لا يخفى، فتأمله، واللَّه تعالى أعلم.

وقال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وقيل: فاعل "سقط" محذوف، أي فوقع في نفسي من التكذيب ما لم أقدر على وصفه، ولم أعهد بمثله، ولا إذ كنت في الجاهليّة، قال: قد أحسن هذا القائل، وأصاب في هذا التقدير، ويشهد له قوله: "فلما رأى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما قد غَشِيني "أي من التكذيب، فـ "مِنْ" على هذا بيانيّة، والواو في "ولا إذ كنت" تستدعي معطوفًا عليه، و"لا" المؤكّدة توجب أن يكون المعطوف عليه منفيًّا، وهو هذا المحذوف، وهذا أسدّ في العربيّة من جعل "ولا إذ كنت" صفة لمصدر محذوف كما سبق؛ لأن واو العطف مانعة، ولو ذهب إلى الحال لجاز على التعسّف. انتهى (١).

وقوله: (وَلَا إِذْ كُنْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ) معناه: أن الشيطان نزغ في نفسه تكذيبًا لم يعتقده حينما كان في الجاهليّة، وهذه الخواطر إذا لم يستمرّ عليها لا يؤاخذ بها.

قال المازريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: معنى هذا أنه وقع في نفس أُبَيّ بن كعب -رضي اللَّه عنه- نزغة من الشيطان غير مستقرّة، ثم زالت في الحال حين ضرب النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بيده في صدره، ففاض عَرَقًا. انتهى (٢).

وفي رواية عند أحمد بسند صحيح: "ما تخلج في نفسي من الإسلام ما تخلج يومئذ"، وفي أخرى: "ما حك في صدري شيء منذ أسلمت إلا أني قرأت آيةً. . . " الحديث (٣).


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٥/ ١٦٩٥.
(٢) "شرح النوويّ" ٦/ ١٠٢.
(٣) راجع: "المسند" رقم (٢٠٥٨٩).